عروبة الإخباري –
صدر حديثا كتاب للأستاذة الدكتورة أماني غازي جرار عن دار الصايل للنشر بعنوان (تسامح بلا حدود: رؤية فلسفية تربوية).
يأتي كتاب (تسامح بلا حدود: رؤية فلسفية تربوية) ليناقش أحد أهم المفاهيم جدلا، فيتناول موضوع التسامح من حيث المفهوم والفلسفة والإشكالية. وتنبع أهمية الكتاب لكونه يتصدى للإشكاليات الفلسفية والتربوية والثقافية والسياسية المتعلقة بالتطبيق.
ويمكن القول أن الكتاب يأتي ليناقش محاور فلسفية محددة ذات أهمية كبرى للإنسانية،فهو يخدم المهتمين بالشأن الفلسفي والتربوي والسياسي أيضا.
ويبقى مفهوم التسامح الأكثر جدلا في أيامنا هذه في ظل ما نعيشه من إشكاليات أخلاقية ومعضلات فكرية وتوافقات اجتماعية. ولأهمية إدراك المفهوم من حيث مبادئه، كان لا بد من العودة إلى موروثات الفلسفة لمحاولة سبر أهم مفارقاته ومقارباته الفكرية في يومنا هذا. ويعتبر التسامح المدخل لجميع أشكال التواصل الثقافي والحضاري والعلمي والأخلاقي، وهو المحرك الرئيس لعملية التأثر والتأثير المتبادل بين الشعوب و الحضارات.
ويتناول الكتاب هذا فلسفة التسامح ويبحث أبعاده اللامتناهية، فيناقش معضلات فلسفية وأخلاقية وتربوية وسياسية وثقافية عدة. ويطرح ذلك في خمسة فصول.
فيقدم الفصل الأول مسألة (التسامح بين الحداثة وموروثات الفلسفة)، حيث يطرح مفهوم التسامح وإشكالية الفلسفة، ويستعرض إعلان المبادئ بشأن التسامح، وذلك من خلال عرض التطور التاريخي لمفهوم التسامح، ثم يناقش أشكال التسامح،كالتسامح المعرفي، والتسامح الأخلاقي، والتسامح السياسي، والتفكر في فكر عدد من الفلاسفة أمثال جون لوك باعباره فيلسوف التسامح.
وبحث الفصل الثاني (فلسفة حقوق الإنسان)،فتناول المفاهيم والتصورات المختلفة لمصطلح حقوق الإنسان، فقد تناول هذا الكتاب بالتعريف والتحليل مفهومي حقوق الإنسان والحريات العامة، والأسس الفلسفية والنظريات التي اعتمدت عليها التفسيرات المختلفة لهذه المفاهيم، بغرض الوصول إلى تعريف موضوعي يقدم معياراً عمليا لهذه الحقوق والحريات. كما تناول الفصل هذا أشكال حقوق الإنسان وتطورها عبر مراحل التاريخ، مع بحث مقارنات لها في الثقافات المختلفة.
كما يبحث الفصل هذا الحق في الحياة أكثر الحقوق أهمية وأساسية، إذ تستند إليه جميع الحقوق الأخرى، كالحق في العدالة، وهو يناقش مشكلة تعارض المصالح المختلفة داخل المجتمعات البشرية، مما يدفع إلى الأمام حقاً آخر هو الحق في الأمن الشامل والسلام العالمي.
وجاء الفصل الثالث ليبحث في (النظريات الفلسفية في الحريات العامة)، حيث تناول موضوع الحريات العامة، والبحث في النظريات الفلسفية في الحريات العامة. فعرضت للنظريات المثالية، والمادية. وتختلف هذه النظريات في تفسيراتها لمبادئ الحريات العامة. ومن هنا قدم تحليل مفصل للنظريات الفلسفية الإقتصادية، والسياسية، والقانونية. ومن أجل إدراك ما هو جوهري فيها من الناحية العملية،فقد تناولت مفهوم الحرية، تمهيداً للوصول إلى المسوغات الموضوعية لحرية الإنسان. كما بحثت الأسس الفلسفية المختلفة للحرية، والتي تتلخص في فكرة التقدم، والفهم الوجودي للإنسان باعتباره حرية، والرغبة في الحد من الطغيان.
ثم جاء الفصل الرابع بعنوان (مفهوم الأخوة الإنسانية وأبعاد المواطنة العالمية)، حيث يمكن اعتبار المساواة بين المواطنين إحدى أهداف المواطنة العالمية، التي تحترم الاختلاف والتنوع الثقافي والخير العام.إلا أنه كان لابد من التأمل والوعي بالعولمة الذي يفرض على المواطن العالمي فهماً لمسائل جديدة كالعضوية السياسية، والمسؤولية العالمية نحو المستقبل، فالمواطنة كونية تحترم حقوق الإنسان، فلم تعد المواطنة حزمة الحقوق والواجبات، بل أصبح لها أبعاداً أشمل؛ حيث تتجه مسؤولية المواطن أبعد من ارتباطه ببلد ما، لتتسع وتشمل ارتباطه بالعالم متجاوزة بذلك الدولة والوطن والحدود.
ويتناول هذا الفصل تنمية المواطنة العالمية ومسألة إعادة اكتشاف الإنسانية المشتركة والتواصل الثقافي والمواطنة الإنسانية القائمة على التواصل العقلاني والسيرورة التاريخية للبشرية وتنوير الإنسان الأخير القائم على مبدأ الأخوة الإنسانية ووحدة الهوية الإنسانية في فضاء الأفكار الذي يتطلب في بعض الأحيان الثورة الخضراء واستشراف المستقبل.
أما الفصل الخامس فتناول (التربيــــــة الإنسانيـــــــة في مواجهة العنف والتطرف والإرهاب)، حيث بحث نشأة التربية الإنسانية وتطورها وأهميتها من أجل الوصول إلى أهداف التربية الإنسانية والتربية على قيم التسامح في مواجهة التطرف والعنف والإرهاب، وذلك بتمثل قيم الحرية والعدالة و الديموقراطية والتربية وفق قيم السلام والمواطنة العالمية والأخوة الإنسانية على أساس مدرسة العقلانية والنهج الإنساني المنشود.
لقد جاء هذا الكتاب كرسالة تدعو لمزيد من الاهتمام بمسألة التسامح، فجاءت في صميم الاهتمام الفلسفي. كما بحثت الأشكال المختلفة لحقوق الإنسان وفق مبادئ حقوق الإنسان في عصر التنوير، ونظريات اليونان القدماء السياسية، والخلقية، إلا أن هذه الأشكال اليوم أكثر اتزاناً في تناولها للحقوق الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، لاسيما بعد التنبه الى حقوق التنمية المستدامة بأهدافها المختلفة.
ولعل قيمة التسامح العليا تتطلب منا مزيدا من الجهود المبذولة لحماية الكرامة الإنسانية.
إن الإقرار بأهمية التسامح كقيمة أخلاقية عليا يرتب علينا المسؤولية الأساسية التي تقع على عاتقنا،والتي تتطلب العمل الأخلاقي.
وأخيراً فإن مسألة مواجهة العنف والإرهاب تأخذ مكانها في الفكر المعاصر؛ ولعل المشكلة الخلقية كامنة في استعمال الإرهاب سبيلاً للقمع الفكري.
وتبقى المعضلات الأخلاقية قائمة وخاضعة للبحث الفلسفي والتربوي. وتبقى إشكالية البقاء في عالم اليوم الذي يعج بالأضداد،ليصبح الملاذ في القيم الإنسانية العليا والمحبة و(التسامح بلا حدود).