عروبة الإخباري
الديار ندى عبد الرزاق
في الثالث من كانون الأول من كل عام، يتجدد التأكيد على أهمية الاعتراف بحقوق الأشخاص ذوي التحديات الخاصة، وتعزيز مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، من خلال الاحتفاء باليوم العالمي لهم. يمثل هذا التاريخ فرصة لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه هذه الفئة، وتسريع الجهود نحو مجتمع أكثر شمولية ومساواة.
التحديات «جسيمة»
وفي الإطار، توضح مصادر معنية في هذا الملف في وزارة الشؤون الاجتماعية لـ «الديار» أن هذا اليوم «يهدف إلى رفع الوعي بالقضايا التي تؤثر في حياة ذوي الهمم اليومية، سواء كانت اجتماعية واقتصادية أو تعليمية. كما يعزز احترام كرامتهم الإنسانية وحقهم في العيش بكرامة، مع التأكيد على إزالة الحواجز التي تعيق اندماجهم الكامل في المجتمع».
وتؤكد المصادلا انه «رغم الجهود المبذولة عالميا ومحليا لتحسين ظروفهم، إلا أن العقبات التي تعترض طريقهم لا تزال كثيرة ومتنوعة، وتنعكس سلباً على جوانب مختلفة. فالنظرة المجتمعية التي غالبا ما تختزل هؤلاء في فكرة «النقص»، ما يؤدي إلى إحساسهم بالعزلة وغياب التقدير لقدراتهم وإمكانياتهم. تضع هذه النظرة عبئا نفسيا كبيرا عليهم، إذ يشعرون بعدم القبول أو التهميش، ما يعيق اندماجهم الطبيعي في المجتمع، ومن أبرز هذه الصعوبات:
1- على الصعيد النفسي والاجتماعي: يتعرض ذوو التحديات الخاصة لصعوبات كبيرة في تكوين العلاقات الاجتماعية، أو الانخراط في الأنشطة المجتمعية. وقد تبالغ بعض الأسر في حمايتهم أو تتجنب الحديث عن تحدياتهم الخاصة، ما يزيد من شعورهم بالعزلة. كما أن التمييز قد يظهر بطرق غير مباشرة، مثل تجاهل احتياجاتهم عند تصميم الأنشطة الترفيهية أو الثقافية.
2- على الصعيد التعليمي: لا تزال العديد من المدارس غير مهيأة لاستقبال الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، سواء من حيث البنية التحتية أو المنهجيات التعليمية التي تلبي ضرورياتهم. ويؤدي هذا الحرمان من التعليم الشامل، إلى تقييد فرصهم المستقبلية في العمل والمشاركة المجتمعية الفعالة.
3- على الصعيد الاقتصادي: يعاني الكثيرون من صعوبة الحصول على وظائف تتناسب مع قدراتهم، نتيجة لغياب التسهيلات اللازمة في بيئات العمل.
4- على صعيد البنية التحتية: يجعل ضعف البنية التحتية في معظم الدول الحياة اليومية لهذه الشريحة أكثر تعقيدا. ففقدان وسائل النقل المجهزة، وعدم توفر مبانٍ عامة مؤهلة لاستقبالهم، يحول دون الوصول إلى العمل أو المرافق العامة.
5- على الصعيد الصحي: تعاني هذه الفئة من نقص في الخدمات الصحية المتخصصة، إذ إن العديد من المراكز الصحية لا تملك التجهيزات المناسبة للتعامل مع متطلباتهم. إلى جانب ذلك، يزيد عدم توفير الرعاية النفسية الكافية من معاناتهم ، ويقلل من جودة حياتهم.
حق أساسي وإنساني
وتلفت المصادر الوزارية الى ان «هذه الاختبارات تشكل عائقا أمام تحقيق المساواة والاندماج الكامل في المجتمع، الذي ليس خيارا إضافيا أو ترفا يمكن الاستغناء عنه، بل حق أساسي وإنساني يعكس مدى تطور المجتمعات ووعيها. في لبنان، يقاسي هؤلاء من غياب سياسات شاملة ومستدامة تضمن حقوقهم الأساسية. ويواجهون صعوبات في التعليم والعمل والتنقل، والوصول إلى الخدمات الصحية، ما يجعل من دمجهم قضية تتطلب تدخلا عاجلا وحاسما على كافة المستويات».
في موازاة ذلك، هناك سؤال يطرح نفسه: كيف يمكن تحقيق ذلك في بلد مثل لبنان، حيث يعاني الأشخاص ذوو التحديات الخاصة من التهميش المزمن وغياب الحقوق؟ تقول الاختصاصية النفسانية والاجتماعية غنوة يونس لـ «الديار»، «تكمن الإجابة في وضع رؤية استراتيجية بناءة تشمل:
– سن تشريعات واضحة تضمن حقوق الأفراد ذوي التحديات الخاصة في التعليم والعمل والرعاية الصحية.
– الالتزام بالاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية حقوق ذوي التحديات الخاصة، وتطبيقها بشكل فعّال. – رصد الموارد اللازمة لضمان التنفيذ الفعلي للسياسات دون أن تبقى حبرا على ورق.
– تحسين المرافق العامة ووسائل النقل لتكون ميسّرة للاستخدام من قِبلهم.
– وضع معايير إلزامية لتصميم المباني العامة والخاصة بحيث تكون مجهزة بشكل كامل».
وتشدد يونس على «أهمية إطلاق حملات إعلامية توعوية لتغيير النظرة النمطية تجاههم، وإدراج مفهوم الدمج والشمولية في المناهج الدراسية منذ المراحل الأولى للتعليم، وإنشاء مراكز متخصصة لتقديم الدعم النفسي والتأهيلي لهؤلاء وأسرهم، وتقديم برامج تدريب مهني تراعي احتياجاتهم وقدراتهم، وفتح أبواب سوق العمل أمامهم».
الواجب!
وتقول أن «الأسر والمجتمعات المحلية هي الركيزة الأساسية، التي يبدأ منها الدمج الحقيقي للأشخاص ذوي التحديات الخاصة. فغياب الدعم العاطفي والنفسي داخل الأسرة يمكن أن يؤدي إلى تعميق شعور العزلة لديهم. وهنا تأتي أهمية ترسيخ الثقة بالنفس وتأمين بيئة منزلية إيجابية تعزز من مهاراتهم وتدعم تطلعاتهم، وإشراك الأطفال ذوي التحديات الخاصة في برامج تعليمية تراعي احتياجاتهم وتطور مؤهلاتهم، وتشجيعهم على الانخراط في الأنشطة المجتمعية والثقافية لتقوية تفاعلهم مع الآخرين».
وتؤكد يونس ان «احتضانهم في المجتمع ليس مجرد قضية حقوقية، بل هو ضرورة حضارية تسهم في بناء مجتمع متماسك ومتوازن. تحقيق ذلك يتطلب تكاتف الجهود بين الدولة والمجتمع والأسر، مع الالتزام برؤية جامعة تُزيل الحواجز النفسية والمادية، التي تعيق هؤلاء الأفراد عن تحقيق إمكانياتهم. فبإمكاننا جميعا المساهمة في بناء عالم أكثر شمولية وعدالة».
التصميم يؤدي إلى الهدف
بدورها، تقول مريم لـ «الديار»: «واجهت تحدياتي الحركية بعزيمة وإصرار، وأعمل اليوم في مجال المحاسبة وأسهم في بناء المجتمع المحلي. لقد تمكنت من إثبات أن القدرة على النجاح لا تتعلق بالكفاءة الجسدية فقط، بل بالتصميم والعزيمة. اصطدمت بعقبات كثيرة في بداية حياتي المهنية، من قلة الفرص المتاحة لنا، إلى عدم توافر بيئات عمل ملائمة، لكنني أؤمن أن التغيير يبدأ من الفرد نفسه، ومن ثم يتم توسيع الدائرة لتشمل المجتمع ككل».
وتطمح مريم إلى ان يأتي اليوم الذي لا تُعد فيه التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي التحديات الخاصة عائقا أمامهم، بل فرصة لتطوير المجتمع. وترى أن الخطوات المقبلة يجب أن تركز على تعزيز المهارات الشخصية والاجتماعية لهذه الفئة، وفتح أبواب الخيارات أمامهم في سوق العمل، مع ضمان بيئات وظائف مرنة تدعم احتياجاتهم».
ترجمة الشعارات!
وتتطرق يونس الى «أهمية العمل المشترك بين المجتمع والدولة لتحقيق تكامل حقيقي، قائلة: «يبدأ التغيير من الوعي الجماعي بأهمية دمج الأشخاص ذوي التحديات الخاصة. لا يكفي أن نحتفل بيوم عالمي أو نطلق حملات توعية فقط، بل يجب أن تكون الأفعال ملموسة على الأرض. الشمولية ليست مجرد فكرة، بل أسلوب حياة يتطلب تحويل المفاهيم إلى واقع عملي يمكن أن يلمسه الأفراد في حياتهم اليومية. لذلك، فان تدريب المجتمع على تقبل الآخر، وخاصة هذه المجموعة، خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر تقدما وعدالة».
في الختام، يبقى اليوم العالمي للأشخاص ذوي التحديات الخاصة مناسبة هامة، لتجديد الالتزام بالحقوق والمساواة، ويدعو الجميع من أسر ومجتمعات ودول، إلى العمل المستمر من أجل تحقيق الشمولية، وتوحيد الأشخاص ذوي التحديات الخاصة في جميع مجالات الحياة.