في وقت تحدثت فيه تقارير عبرية عن وجود مؤشرات إيجابية بشأن اتفاق هدنة في غزة، اعتمادا على وصول وفد من حركة حماس إلى القاهرة لبحث مقترح جديد لوقف إطلاق النار في القطاع، رجح مراقبون أن تناقش المحادثات أفكارا متعلقة بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وانتقال المناقشات لمرحلة التفاصيل الدقيقة، فيما تسود مخاوف من عقبات رئيسة تهدد المفاوضات.
وبعد التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، وصل السبت الماضي وفد حركة حماس إلى القاهرة لبحث مفاوضات الهدنة في غزة برعاية أميركية، في وقت رجح فيه المراقبون عدم التوصل لاتفاق ينهي الحرب المستمرة على القطاع منذ أكثر من عام.
وتأتي محادثات القاهرة بعد أيام من إعلان الولايات المتحدة أنها ستبدأ جهودا جديدة مع قطر ومصر وتركيا لإحياء محادثات وقف إطلاق النار في غزة.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قال في منشور على منصة “إكس” الأربعاء الماضي، إن هناك جهودا دولية مبذولة للتوصل لاتفاق في غزة في الأيام المقبلة مع استثناء “حماس” من السلطة.
من جهتهم رأى المراقبون في أحاديث منفصلة لـ”الغد”، أن ثمة جولة جديدة من المباحثات في القاهرة بين حركتي فتح وحماس، لبحث مستقبل إدارة قطاع غزة عبر لجنة مساندة، في ظل حراك مصري وأميركي لإبرام هدنة في القطاع تحاكي نظيرتها في لبنان التي تمت قبل أيام، وتمتد لنحو 60 يوما.
وجرى التوصل إلى هدنة وحيدة في الحرب على غزة في تشرين الثاني 2023، واستمرت أسبوعا وأتاحت فيه إطلاق محتجزين في القطاع مقابل أسرى فلسطينيين لدى سجون الاحتلال الصهيوني.
ومنذ ذلك الوقت، قادت الولايات المتحدة مع قطر ومصر وساطة للتفاوض بين إسرائيل وحماس، لكن لم تسفر تلك المفاوضات عن شيء.
وبشأن محادثات حركة حماس وفتح في القاهرة، أيضا، كشف القيادي في الحركة خليل الحية، الأربعاء الماضي، عن أن الحركة تبحث “في كافة الأبواب والمسارات لوقف الحرب في غزة”.
وأضاف الحية، خلال مقابلة تلفزيونية “أن الفكرة المطروحة اليوم هي تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة وهو اقتراح قدمه المصريون وتعاملنا معه بشكل مسؤول”.
وأوضح: “نحن لا نغفل أي فرصة يمكن أن تسهم في تحقيق توافق وطني داخلي، ونحن نعمل على ذلك من موقع المسؤولية، وبالنسبة للجنة، فإننا وضعنا شرطين أساسيين لنجاحها: الأول، أن تكون قادرة على تلبية احتياجات غزة في فترة الحرب وما بعد الحرب، بما في ذلك الإغاثة، والإيواء، والصحة، والتعليم، والإعمار”.
وفي هذا الصدد، يقول الوزير الأسبق مجحم الخريشا، إن الرئيس الأميركي جو بايدن يرغب بتحقيق إنجاز جديد بإقرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكنه سيواجه برغبة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في مواصلة الحرب.
وتابع الخريشا: “وفي المقابل، تشير المعطيات إلى أن السلطات المصرية باتت تفرض ضغوطا كبيرة على حركة حماس، للتراجع عن التشدد في بعض النقاط، بينما تؤكد حركة حماس ضرورة الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع”.
وقالت حركة حماس قبل أيام في بيان لها، إنها تتابع تطورات اتفاق وقف طلاق النار في لبنان، معربة عن التزامها بالتعاون مع أي جهود للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وأضافت: “نحن نركز على وقف العدوان على شعبنا، استنادا إلى الشروط التي اتفقنا عليها وطنيا: وقف العدوان على غزة، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإتمام صفقة تبادل أسرى شاملة وحقيقية”.
بدوره، يقول المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، إن مصر طرحت أفكارا بخصوص المحادثات لم تعلن عنها رسميا، إنما تسربت عن أطراف أخرى تشمل وقف إطلاق النار مدة خمسة أيام، لأن حركة حماس تقول إن استمرار القصف الإسرائيلي على غزة في الفترة الأخيرة تسبب بعدم معرفتها مصير عدد من الأسرى، لذلك هي بحاجة لمعرفة مصيرهم.
وتابع الحجاحجة: “بعد ذلك، ستكون هناك محادثات بين الطرفين لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، ويكون التركيز على كبار السن والسيدات، وذلك مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين ربما المئات أو الآلاف، وجزء منهم من أصحاب الأحكام العالية”.
وأشار إلى أن هذه المرحلة إذا تم الاتفاق عليها فقد تمتد لنحو شهرين، وسيتم خلالها إدخال مساعدات لا تقل عن 200 شاحنة مساعدات إغاثية وطبية إلى القطاع في اليوم، وبعد ذلك يتم الانتقال للحديث عن كيفية الانسحاب الإسرائيلي، وسيصار على إعادة تشغيل معبر رفح بعيدا عن حركة حماس.
وزاد: “في المحادثات السابقة، اعترضت حركة حماس على تشغيل المعبر من دون وجودها، لكن يبدو أن مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية في القاهرة أدت إلى تفاهمات بهذا الشأن”.
واستكمل: “الآن، وبعد اتفاق الهدنة مع لبنان، بدأت قضية أسرى الاحتلال في غزة تعود للتداول من جديد في الشارع الصهيوني، الأمر الذي يشكل ضغطا على رئيس حكومة الاحتلال للقبول باتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن”.
وأشار إلى أنه رغم جهود الوسطاء، فيرجح بإن مسارات المحادثات لن تفضي حاليا إلى اي نتائج ملموسة، على صعيد التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار، مرجعا السبب في ذلك، الى طبيعة وقف اطلاق النار المراد الوصول اليه، والشروط المرتبطة به من جهة، كما أن نجاح الوساطات يعتمد أيضا على ماذا تريد إسرائيل فعليا وقف إطلاق النار في الوقت الحالي.
من جهته، يقول عميد كلية القانون السابق في جامعة الزيتونة الدكتور محمد فهمي الغزو إن الهدنة التي بدأت فجر الأربعاء الماضي في جنوب لبنان، فرضت قواعد جديدة في المنطقة، إذ إن حزب الله لم يعد يقاتل لدعم حركة حماس في غزة، ما يزيد من الضغط على الحركة الفلسطينية للقبول باتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
وأكد الغزو أن مباحثات القاهرة ستركز على مقترحات متعلقة بوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، والتوصل إلى صفقة تبادل هناك، وكذلك مقترحات تتصل بشأن اليوم التالي لوقف الحرب.
وأضاف: “اليوم تبدو تل أبيب مستعدة لعقد صفقة بشأن قطاع غزة، دون استبعاد انسحاب جزئي من محور فيلادلفيا، وهو إحدى النقاط الخلافية مع حركة حماس”، موضحا “أن إسرائيل لا تبدو مهتمة بتقديم تنازلات، وما تزال متشككة بالأفكار الأميركية والعربية لإدارة قطاع غزة بعد الحرب”.
وتابع: “في المفاوضات السابقة بين الجانبين، كان فريق التفاوض الإسرائيلي يشكو من قلة الصلاحيات الممنوحة له من قبل رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، وهو أمر قد يمنع التوصل إلى اتفاق عبر المفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس”.
واستكمل: “يصر نتنياهو على استمرار احتلال محور نتساريم وسط قطاع غزة ومحور فيلادلفيا ومعبر رفح، ويرفض وقف الحرب في إطار أي صفقة لتبادل أسرى، في حين تتمسك حركة حماس بإنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي تماما”.
وقال الغزو إن الطريق ما تزال طويلة أمام الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف ويحقق تهدئة مستدامة في المنطقة، حيث تظل الخلافات الجوهرية بين حركة حماس وإسرائيل حول القضايا الأمنية والإنسانية عقبة كبيرة أمام تحقيق السلام.
يشار الى ان جولات المفاوضات غير المباشرة بين الاحتلال وحركة حماس تتعثر منذ اكثر من 11 شهرا تقريبا، جراء اصرار نتنياهو على مواصلة الحرب على القطاع، وتمسكه بمحوري فيلادلفيا ونتساريم جنوبي ووسط غزة، بينما تطالب حماس بانسحابه الكامل من غزة وعودة النازحين دون قيد.