عروبة الإخباري –
اندبندت عربية –
ترى فئة من مناصري “حزب الله” أن الاتفاق الأخير مع إسرائيل خالف أهم “وصايا” حسن نصرالله، وهو الذي اغتيل بسبب صموده وتمسكه بموقفه… فهل يبحث الحزب عن أمين عام جديد؟
أول سؤال يتبادر إلى ذهن المراقب عند متابعة احتفاليات “النصر” التي قام بها “الثنائي الشيعي” وتحديداً “حزب الله”، ومن بين الكم الهائل من الصور المنتشرة على الطرقات والسيارات، هو أين صورة الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم؟
كانت انتشرت صور الأمين العام الراحل حسن نصرالله، ورئيس المجلس التنفيذي في التنظيم، الراحل أيضاً، هاشم صفي الدين. أضف إلى ذلك تحدث إلى الإعلام أكثر من نائب عن الحزب، كالنواب حسن فضل الله ومحمود قماطي، في مقابل غياب تام لقاسم عن المشهد في التعليق على الاتفاق، وهو الذي كان قد دعا إليه وفوض رئيس مجلس النواب “الأخ الأكبر” نبيه بري، كمتحدث في الشق السياسي باسم الحزب.
منذ أول إطلالة لنعيم قاسم بدأت المقارنات بينه وبين من سبقه على تولي هذا المنصب، بخاصة أنه أتى من بعد شخصية لها التأثير الأقوى في مسار الحزب والتي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود وهو حسن نصرالله، والذي تمتع بشعبية واسعة في لبنان ودول أخرى، بسبب سياساته التي جعلت من الحزب لاعباً أساسياً في سياسات المنطقة، كما كاريزما اجتذبت العديد لخطاباته النارية، حتى في الداخل الإسرائيلي، ولنفس تلك الأسباب نصب نصرالله لنفسه وللحزب أعداء كثيرين.
تعيين مفاجئ
جاء قاسم من بعد الاغتيالات العديدة التي طاولت معظم الرعيل الأول من مؤسسي “حزب الله” وكان تعيينه مفاجئاً، بسبب دوره السياسي والتنظيمي، لكنه كان المرشح الوحيد في فترة تمر بها هيكلية الحزب بضعف بنيوي وتفكك لمفاصله. ولم يتأخر قاسم حيث بادر في خطابه الثاني لتفويض الرئيس بري في ملف اتفاق وقف إطلاق النار، وخلا الخطاب نفسه من ربط الساحة الجنوبية بساحة غزة، ما أثار انتقادات واستغراب لأن جبهة الإسناد كانت وصية نصرالله في آخر خطاب له قبل اغتياله، 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.
إطلالات قاسم التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة حتى الآن أظهرت أن نصرالله سيكون الحاضر الغائب لفترة زمنية طويلة، ذلك أن الأخير تحول إلى رمز في ذهن بيئته الحاضنة، وربما عند خصوم وأعداء الحزب. وحتى اليوم عندما خرج مناصرو التنظيم كان بعضهم يعتقد بل هو متأكد لدرجة اليقين أن نصرالله لم يقتل، وسيطل هو لإلقاء خطاب “النصر”.
لعل مقارنة الشخصيتين “ظلم” بحق قاسم، عدا عن أنه يفتقد لكل مواهب الخطابة والصوت والكاريزما والهالة، والتي كان يملكها ويتقنها نصرالله وهي صفات غير سهلة للاستبدال، سيبقى صاحب العمامة البيضاء والتي تعني أنه لا ينتمي “لآل البيت” خلافاً لمعتمر العمامة السوداء، ولهذا التأثير الأقوى في نفوس الشيعة عموماً. أضف إلى ذلك برودة وصوت قاسم ما يصيب المستمع بالملل، ويصبح من الصعب متابعة خطابه حتى نهايته.
يقول بعض العارفين في خبايا التنظيم “أن المشكلة مع الأمين العام الجديد، أنه هو نفسه غير مصدق أنه أميناً عاماً، حتى داخل بيئة الحزب ولو كان ذلك لم يظهر للعلن، فهي لا تستسيغه ولا تتقبله أميناً عاماً”، فلن يخرج أحد المناصرين ليقول، “فدا صرماية الشيخ نعيم”.
أضف إلى تلك المشهدية أن كل شعارات وسرديات الحزب والتي كان يروج لها نصرالله، من “النصر الإلهي، وإسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، والشهادة على طريق القدس”، كان سهل على الرجل إقناع المناصرين كما الخصوم بقوة تلك الشعارات، بخاصة أن كل خطابات قاسم حتى اليوم مسجلة، ما يضفي عليها برودة وجمود، وهو لن يستطيع أن يخطب وأن يرتجل في العلن، بعد كل التهديدات الإسرائيلية وخصوصاً عبر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي علق على توليه للمنصب أنه سيكون “موقتاً، لن يبقى طويلاً”.
ما يدفع إلى هذا السؤال مؤشرات عدة منها توقيع الاتفاق الأخير مع إسرائيل، بحيث ترى فئة من مناصري “حزب الله” أن الاتفاق خالف أهم “وصايا” حسن نصرالله، وهو الذي اغتيل بسبب صموده وتمسكه بموقفه، والذي أعلن في آخر خطاب له أنه “رغم التضحيات والشهداء ورغم كل العواقب، فلن تتوقف المقاومة عن مساعدة أهل غزة والضفة”.
كذلك أكد نصرالله وفي الخطاب نفسه “أن السبيل الوحيد لإعادة السكان إلى مناطقهم هو وقف العدوان على غزة والضفة الغربية”، وهو الذي سرّب عنه في اجتماع ضمه إلى قائد “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قاآني في العاصمة بيروت في فبراير (شباط) 2023، لبحث الأخطار التي قد تنشأ إذا استهدفت إسرائيل جماعة “حزب الله”، وهو هجوم قد يلحق ضرراً جسيماً بالشريك الإقليمي الرئيسي لطهران، أن نصرالله طمأن قاآني “بأنه لا يريد أن تنجر إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة وأن “حزب الله” سيقاتل بمفرده.
وقال نصرالله لضيفه “هذه معركتنا”، أضف إلى ذلك أن شخصية نعيم قاسم أكثر أكاديمية وتنظيمية، وهو يركز على بناء الحزب من الداخل، وبغض النظر بأنه يُعتبر أقل جاذبية وجماهيرية مقارنة بنصرالله، غالباً ما كان يظهر كشخصية “ظل” تعمل على دعم القرارات بدلاً من صناعتها.
افتقار قاسم إلى كل تلك الصفات تجعل منه أقل تأثيراً في القاعدة الشعبية وفي خطاب “المقاومة” المقبل الذي يحتاج إلى حضور قوي وقدرة على الإقناع لتمرير معطيات جديدة وتحول في مسار الحزب، والذي يحتاج لرجل يتمتع خطابه بالقوة والحضور والقدرة على بث الطمأنينة أو التحفيز بحسب الحاجة.
كان نصرالله يجمع ما بين القيادة الميدانية والسياسية والموازنة بين الجناحين العسكري والسياسي وهو ما ساعد في إبقاء الحزب قوياً ومستقراً على رغم الأزمات، في حين أن قاسم يميل إلى العمل خلف الكواليس أكثر من الظهور العلني، مما حدّ من تأثيره الجماهيري، ما جعل منه شخصية داخلية ذات تأثير محدود داخل وخارج الحزب.
العلاقة مع إيران
لا بد من التطرق إلى علاقة التنظيم مع إيران “الأم الحنون” والسند الأقوى، حيث كانت تعتبر نصرالله القناة الأكثر موثوقية بين الحزب والقيادة الإيرانية، وتمتع بثقة عالية من رأس النظام المرشد علي خامنئي، والذي نعى نصرالله بـ”أخي وعزيزي ومبعث افتخاري”، وقال “نحن جميعاً مصابون ومكلومون، إنه لفقدان كبير أفجعنا بكل معنى الكلمة، لكن عزاءنا لا يعني الاكتئاب واليأس والاضطراب، بل يبعث الحياة ويلهم الدروس ويوقد العزائم ويضخ الآمال”.
تلك الثقة أعطت نصرالله هامشاً واسعاً من الاستقلالية في اتخاذ القرارات، حتى قيل أن طهران سلمته مهمات قائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني بعد اغتياله في يناير (كانون الثاني) 2020، إلى جانب القيادي في ميليشيات “الحشد الشعبي” العراقية أبو مهدي المهندس، حيث اضطلع الحزب حينها بدور قيادي في تنسيق أنشطة الشبكة الواسعة للمتطرفين الشيعة وكلاء إيران في المنطقة.
وكان هذا العامل الأساس في تحول الحزب إلى مركز الثقل بالمنطقة، وتحوله من كونه ميليشيات لبنانية تركز بشكل أساسي على الأنشطة في لبنان ومعارضة إسرائيل، إلى جهة فاعلة إقليمية تلعب دوراً قيادياً لشبكات إيران من الوكلاء المتشددين، نيابة عن “الحرس الثوري” الإيراني، و”فيلق القدس”.
اتضح ذلك بشكل جلي بعد اغتيال نصرالله بحيث حضرت عدة قيادات إيرانية رفيعة إلى بيروت بشكل معلن أو غير معلن، منها وزير الخارجية عباس عراقجي، ورئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، وضباط من الحرس الثوري “للاطمئنان” على أوضاع الحزب.
وخرجت تقارير تحدثت عن أن إيران عينت “وصياً” موقتاً على الحزب، وهو فلاح زادة، قائد كبير في “الحرس الثوري”، وكان ظلاً لقاسم سليماني، بحيث لم يتطلب تعيينه أي إجراءات تنظيمية داخل الحزب، ولم يترتب عليه أي تغيير في بنية الحزب السياسية، وكانت مهمة فلاح زادة حينها، فقط بالمساعدة في إدارة الحرب مع إسرائيل وتأمين الاتصال والدعم اللوجيستي للحزب.
وبينما لن يصل نعيم قاسم مطلقاً لتلك “الحظوة” التي كان يتمتع بها سلفه عند القيادة الإيرانية، مما قد يجعله تابعاً أكثر من كونه شريكاً في صياغة القرارات الكبرى، يواجه الحزب ضغوطات إقليمية ودولية وداخلية تحتاج إلى شخصية قادرة على التعامل.
كما لن يتمكن الأمين العام الجديد نعيم قاسم من الحفاظ على الزخم الإعلامي والسياسي الذي يُعتبر عنصراً أساسياً في زعامة واستراتيجية الحزب، في ظل الضغوطات الهائلة التي يواجهها، ويحتاج إلى شخصية قادرة على التعامل مع اللاعبين الإقليميين والدوليين بنفس براعة نصرالله.
وعلى رغم مكانته التنظيمية والفكرية، قد يواجه قاسم صعوبات في توحيد الأجنحة المختلفة داخل الحزب، لأنه يحتاج إلى العناصر التي تجعل منه زعيماً بنفس الوزن والثقل اللذين كانا لنصرالله، سواء داخل الحزب أو على المستوى الإقليمي والدولي، فهل يبحث “حزب الله” عن أمين عام جديد؟