عروبة الإخباري
في تاريخ الشعوب، هناك رجال يرحلون بأجسادهم لكنهم يظلون خالدين بفكرهم ومبادئهم. وصفي التل، القائد والمعلم والمزارع الشهيد، كان واحدًا من هؤلاء العظماء الذين رسموا بدمائهم درب التضحية والفداء. في ذكرى استشهاده، نستحضر مسيرته الوطنية الحافلة بالعطاء والإخلاص، ونتأمل في الإرث الذي تركه للأجيال، إرثًا من العمل الدؤوب والتفاني في خدمة الوطن والأمة. وصفي التل لم يكن مجرد رجل دولة، بل كان رمزًا للتضحية والولاء، تتعلم منه الأجيال معنى العزة والكرامة.
ففي مثل هذا اليوم، نستذكر بحزن وفخر رجلًا من رجالات الأردن العظام، الشهيد وصفي التل، الذي ارتقى في سبيل مبادئه وقيمه التي لم يتخلّ عنها يومًا، مجسدًا نموذجًا للمعلم الحكيم، المزارع المُجد، والقائد الوطني الذي عاش ومات من أجل وطنه وأمته.
كان وصفي التل، ابن الشاعر الكبير مصطفى وهبي التل (عرار)، رجلًا ذو فكر مستنير وإرادة لا تلين. تميّز بأسلوبه التعليمي الذي لم يقتصر على قاعات الدرس، بل كان معلمًا في الوطنية والإخلاص، ينقل بفكره وشخصيته قيم الانتماء والعمل الجاد. آمن بأن بناء الإنسان هو الأساس الحقيقي لأي نهضة، وكرّس حياته لتوعية شعبه بأهمية الوحدة والعمل الجماعي لتحقيق الأهداف الوطنية.
أدرك وصفي التل أن الأرض هي أساس الكرامة والسيادة، فكان يرى في الزراعة وسيلة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتحرر من التبعية. لم يكن فقط داعمًا للمزارعين، بل كان مزارعًا بنفسه، يعيش تفاصيل حياة الفلاح الأردني، ويرى في الأرض عنوانًا للصمود والهوية. رسّخ من خلال عمله وجهوده فكرة أن الوطن يُبنى بسواعد أبنائه الذين يعملون على أرضهم ويستثمرون في خيراتها.
كقائد سياسي ورجل دولة، حمل وصفي التل همّ الأمة العربية والإسلامية على كتفيه، مؤمنًا بأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع وواجب كل عربي حر. عمل بجد لتوحيد الصف العربي وتحقيق التكامل بين الدول العربية، وظلّ مدافعًا شرسًا عن القضايا العادلة حتى لحظة استشهاده. يوم 28 نوفمبر 1971، لم يكن يوم فقدان شخص، بل يوم ارتقاء رمز وطني شكّل بدمه الزكي ملحمة في التضحية من أجل المبادئ.
إرث وصفي التل ليس مجرد تاريخ، بل مدرسة في حب الوطن والإخلاص له. قيمه تظل حاضرة في وجدان الأردنيين الذين يستذكرونه بقلوب مليئة بالعزة، وعيون ترنو إلى استكمال المسيرة التي بدأها. لقد جسّد بفكره وفعله معاني القيادة الحقيقية التي تخدم الشعب، وتعلّمنا من استشهاده أن المبادئ لا تموت، بل تبقى منارة تهتدي بها الأمم.
رحم الله الشهيد وصفي التل، الرجل الذي كان بأفعاله درعًا لوطنه، وباستشهاده رمزًا خالدًا للأردن وأمته العربية.