عروبة الإخباري –
وصفي التل، اسمٌ محفور في ذاكرة الأردن والأمة العربية، ليس فقط بصفته رجل دولة، بل كرمز للثبات والنزاهة والتضحية. رجلٌ حمل هموم وطنه وأمته، ورسم ملامح القائد الذي يعيش لشعبه ويموت من أجل قضيته.
وُلد وصفي التل في عام 1920، في بيئة غارقة في حب الوطن والنضال من أجله. كان ابنًا لشاعر الأردن الكبير مصطفى وهبي التل، الذي غرس فيه بذور الوطنية وحب الأرض. منذ شبابه، اتضح أن وصفي ليس شخصًا عاديًا، بل مشروع قائد يمتلك رؤية تتجاوز الزمن.
فخلال مسيرته السياسية، أثبت وصفي أنه رجل المبادئ قبل المناصب. في أكثر من فترة قاد فيها الحكومة الأردنية، كان هدفه الأساسي تحقيق التنمية الحقيقية والاستقلال الوطني. لم يكن يؤمن بحلول مستوردة أو شعارات جوفاء، بل كان يضع في مقدمة أولوياته بناء دولة قوية قادرة على الاعتماد على ذاتها. كانت مشاريعه الزراعية ورؤيته للاكتفاء الذاتي ترجمة فعلية لإيمانه بقدرة الأردنيين على صنع مستقبلهم بأيديهم.
وصفي التل لم يكن فقط رجل دولة متميزًا؛ بل كان قائدًا عربيًا غيورًا على قضايا أمته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. رفض الرضوخ أو التنازل، واعتبر أن الكرامة العربية لا تُجزَّأ، وأن التحرير لا يتحقق إلا من خلال وحدة الصف والإرادة الحرة. كانت مواقفه الحاسمة والشجاعة في وجه المؤامرات الصهيونية سببًا في استهدافه من قِبل أعداء الأمة.
كان وصفي التل رجلًا مختلفًا، لم يكن يخشى مواجهة التحديات، بل كان صانعًا للقرارات الجريئة. خلال توليه رئاسة الوزراء في أكثر من مناسبة، وضع نصب عينيه بناء دولة قوية، مؤمنة بذاتها، تعتمد على كفاءاتها، وتسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي. آمن بأن الطريق إلى التحرير يبدأ من بناء الداخل، فعمل على تطوير الزراعة، وتشجيع الإنتاج الوطني، وتعزيز روح العمل الجماعي.
في 28 نوفمبر 1971، امتدت يد الغدر لتغتال وصفي التل، لكنهم لم يغتالوا فكره ولا مواقفه. على العكس، فقد تحول استشهاده إلى لحظة توحيد ووعي بالنسبة لكل من يؤمن بالكرامة والسيادة. ارتقى شهيدًا، لكنه بقي خالدًا في وجدان الأردنيين والعرب، رمزًا للثبات على المبادئ، ونموذجًا للسياسي الذي لم يساوم يومًا على الحق.
وصفي التل، ذلك الشهيد الخالد، ليس ذكرى عابرة في تاريخ الأردن، بل هو إرث وطني وقومي يلهم الأجيال. سيرته تجسد معاني الكرامة والتفاني، وتذكرنا دائمًا بأن الأوطان تُبنى بالمبادئ والتضحيات.
سلام على وصفي في عليائه، وسلام على كل من سار على خطاه في خدمة الوطن وقضايا الأمة. سيبقى صوتك وهجًا يضيء طريق الحرية والكرامة.