مايك ويتني* – (ذا أونز ريفيو) 10/11/2024
حماس تختبئ في أمستردام
هل كانت نوبة الشغب الهائج لمشجعي فريق “مكابي” لكرة القدم في أمستردام عملية للموساد؟ ليس هذا سؤالاً تسهل الإجابة عنه، لكنّ ثمة أدلة تشير إلى أن هناك هنا أكثر مما تراه العين.
ولنبدأ بملاحظة ماكس بلومنتال، التي تفيد بأنه لم يبدُ أن مشجعي “مكابي” كانوا ينفسون توترهم بطريقة عشوائية كما يفعل الشباب عادة في الحشود، وإنما بدا أنهم يخضعون لهيكل قيادة منظم بشكل فضفاض. إليكم ما نشره بلومنتال على منصة “إكس”:
“اللقطات تستحق الملاحظة، ليس فقط لأنها تكشف بلطجية “مكابي” الذين يثيرون العنف، ولكن لأنه يمكن رؤيتهم بوضوح وهم ينسقون أعمالهم مثل وحدة عسكرية، بينما قيل إنهم جاؤوا مصحوبين بعملاء الموساد. في مرحلة ما، يهدد بلطجي إسرائيلي الصحفي الشاب ويأمره بعدم تصوير شغبهم. وفي الوقت نفسه، تختفي الشرطة المحلية لفترات طويلة”. MaxBlumenthal@
وقد لاحظ هذه الظاهرة عدد من المراقبين الآخرين، ويمكن رؤيتها في الفيديو الذي مدته 17 دقيقة والذي التقطه الهولندي الشاب (بِندر) الذي أصبح من المشاهير بين عشية وضحاها بسبب صحافته الجريئة بلا هوادة. وقد تبع الفتى الغوغاء الإسرائيليين في شوارع أمستردام لساعات مسجلاً أنشطتهم الفوضوية والعنيفة حتى النهاية عندما حاصرتهم الشرطة الهولندية ونقلتهم إلى أماكن الحراسة. وتُظهر المشاهدة الدقيقة لهذا الفيديو حشد مشجعي “مكابي” وهو يتوقف من وقت لآخر ويتلقى التوجيهات من قادة المجموعة. هل كانوا عملاء للموساد؟
لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين، لكن هذا المشهد بالتأكيد يبدو مريباً. وقد خلص آخرون إلى النتيجة نفسها، مثل آدم الذي نشر ما يلي:
“تم التأكيد أن الموساد كان حاضراً في الليلة المعنية. كما تم التأكيد أن الاستفزاز كان بلا حدود. الآن أصبحنا نعرف لماذا: زيادة كل من الإسلاموفوبيا وترويج وضع اليهود كضحايا”. AdameMedia@
أو بيتر:
“كانت هذه عملية خططت لها إسرائيل لجر أوروبا إلى حربها المجنونة. كان الإبقاء على مدينة يستمر فيها اليهود والعرب في الحياة هو الفرصة المثالية”. PeterPetermac1@
أو ميرور:
”يبدو هذا مخططاً. إنهم يريدون أن يبدو صهاينتهم كضحايا. إنهم يريدون تخويف اليهود هناك في فلسطين، لجعهلم يبقون في فلسطين. معاداة السامية هي فن صهيوني”. mirroraqsa@
أو إيه. إس. إي:
“ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الموساد كان منضماً إلى مثيري الشغب الإسرائيليين في أمستردام. كان الهدف معروفاً، استفزاز ومهاجمة السكان المحليين والمواطنين العاديين، وخاصة أولئك الذين يدعمون إنسانية الفلسطينيين، مثل سائقي سيارات الأجرة”. ASE@
أو ألبرتو:
“يبدو أن الشرطة الهولندية مهتمة جداً بحماية البلطجية الإسرائيليين. ليس لدي شك في أن هذا تم التخطيط له وتنسيقه بين نتنياهو وفيلدرز كذريعة لطرد المسلمين من هولندا”. AlbertoD2022@
أو ريتش:
”يبدو أنها كانت عملية علاقات عامة إسرائيلية منذ البداية -لإثارة المشاكل مع السكان المحليين، والتي من شأنها أن تورط اليهود المارة حتى يمكن بعد ذلك إيذاؤهم وتأطيرهم كضحايا للفاشية الإسلامية. وفي الوقت نفسه، يكون لدى إسرائيل سبب آخر للتشدد ضد العرب”. richseng@
أو ديان:
”إنها مناورة كلاسيكية رأيتها كثيراً خلال الصراع البوسني، حيث يتم استفزاز مجموعة عمداً ثم يتم إلقاء اللوم على الجانب الآخر. بعد قول هذا، أريد التأكيد أنني أدين كل عنف”. DianePaul593823@
بطبيعة الحال، يبقى كل هذا مجرد تكهنات، لكن ما هو مؤكد هو أن عملاء الموساد رافقوا مشجعي “مكابي” إلى هولندا. ونحن نعرف ذلك لأنه تم نشره كعنوان رئيسي في صحيفة “جيروزاليم بوست”. (للتحقق: انظر الصورة المرفقة).
وإذن، كان عملاء الموساد حاضرين. والسؤال هو ما إذا كانوا منخرطين بنشاط في ما يرقى إلى عملية ضخمة للضغط النفسي، والتي تستخدم لاعبي كرة القدم لتعزيز أجندة الموساد القاتمة؟
لا يمكننا الإجابة عن ذلك، ولكن يمكننا القول إن من غير المعتاد على الإطلاق أن تعمد حكومة إلى نشر عملاء استخباراتها في مباراة لكرة القدم في عاصمة أجنبية. من أيضاً قد يفعل ذلك؟
لا أحد، الأمر الذي يطرح السؤال عما إذا كان قد تم تجنيدهم للمشاركة في عملية سرية من نوع “الحيل القذرة” التي تتطلب إشرافهم المهني. ما الذي قد ينطوي عليه ذلك؟
دعونا نقل إن نتنياهو أراد تحسين صورة إسرائيل العامة -التي تمرغت في الوحل بسبب الإبادة الجماعية في غزة- ولذلك وافق على خطة لإثارة الاضطرابات الاجتماعية في أمستردام حتى يتمكن من استخدام علاقاته الإعلامية الواسعة لشجب رد المسلمين الانتقامي (الحتمي) باعتباره موجة مفاجئة من معاداة السامية. وقد يكون قادراً حتى على إقناع أتباعه في وسائل الإعلام بالتقليل من شأن السلوك الدنيء لفريقه العنصري لكرة القدم والتركيز بدلاً من ذلك على رد فعل سائقي سيارات الأجرة المسلمين. (الذين كانوا هدفاً لعداء “مكابي”). ولننظر في هذا المقال الذي نشرته “إن. بي. سي. نيوز”:
“هاجمت عصابات متجولة على دراجات نارية وضربت مشجعي كرة قدم إسرائيليين في العاصمة الهولندية أمستردام الليلة الماضية، في موجة مما وصفته السلطات بالعنف المعادي للسامية.
”وأظهرت لقطات تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي أنصار فريق مكابي تل أبيب لكرة القدم وهم يتعرضون للمطاردة والاعتداء ليلة الخميس، ومنها مقطع فيديو تمكنت ’إن. بي. سي. نيوز‘ من تحديد مكان تصويره بالقرب من المحطة المركزية في أمستردام، والذي أظهر قتالاً في الشوارع بين الإسرائيليين ومهاجميهم.
”وقال رئيس بلدية أمستردام، فيمكي هالسيما: “عبَر فتيان على دراجات نارية المدينة بحثاً عن أنصار مكابي تل أبيب. كانت عملية كرّ وفرّ. تعرض مشجعو كرة القدم للضرب والتخويف، وبعد ذلك غادر مثيرو الشغب بسرعة مرة أخرى، هرباً من قوة الشرطة التي كانت تتحرك بشكل كثيف ليلة أمس…‘”.
“اندلعت أعمال العنف في مدينة كانت ذات يوم موطناً لآن فرانك** الشابة وعائلتها أثناء اختبائهم من المحتلين النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.
”وقال هالسيما: ’بالأمس كانت هناك فورة من معاداة السامية مثل التي كنا نأمل ألا نرى المزيد منها في أمستردام. أود أن أعرب عن أقوى إدانة للعنف الذي وقع. بين سكاننا اليهود هنا في أمستردام هناك خوف وفزع وغضب وعدم تصديق‘. …
وقال مكتب هالسيما في بيان: ’لقد سعى مثيرو الشغب بنشاط إلى مطاردة مشجعين إسرائيليين بهدف مهاجمتهم والاعتداء عليهم”. المقال بعنوان ”مهاجمة مشجعي كرة القدم الإسرائيليين في أمستردام”، Israeli soccer fans attacked in Amsterdam, (NBC News)
يا إلهي! هل يستحضرون حقاً ذكرى آن فرانك للدفاع عن البلطجة العنيفة لمثيري شغب عنصريين؟!
نعم، إنهم يفعلون
هل قام الصحفي الذي كتب هذا الهراء بتصفح الإنترنت لمعرفة ما حدث بالفعل؟ هل يدرك أنه حتى تقرير شرطة أمستردام الرسمي يتعارض مع روايته غير الدقيقة للأحداث؟
هذه المقالة منفصلة تماماً عن الواقع، مثل العديد من المقالات النمطية الأخرى التي تظهر الآن في وسائل الإعلام الرئيسية، مما يشير إلى وجود جهد منسق لتحريف الحقيقة وإقناع الجمهور بأن الجناة هم الضحايا في الواقع. هل لهذا السبب رافق الموساد فريق مكابي إلى أمستردام، لاصطناع حادث يمكن استخدامه لإنقاذ صورة إسرائيل المحطمة وتصويرها كضحية دائمة؟ إليكم كيف لخص المحلل السياسي كيفورك الماسيان الأمر:
”لاحظ بعناية: كل مؤيد لإسرائيل كان يردد الكلمات نفسها بالضبط منذ اشتباكات شوارع أمستردام. هل هذه صدفه؟ بالكاد. إنهم يتبعون نصاً مُعدّاً -حملة إعلامية منسقة، واضحة وبسيطة. والآن، اسأل نفسك: ماذا كان يفعل عملاء الموساد والجنود الإسرائيليون بين مثيري الشغب في حدث كرة القدم؟ هل كانوا هناك لإشعال فتيل العنف؟ دعونا لا نتظاهر بأن عملاء المخابرات الأجنبية كانوا في زيارة عرضية فقط”. KevorkAlmassian@
هل يبدو هذا مقنعاً لك؟ إنه كذلك بالنسبة لي. هذا مقطع من مقال في ”ذا كرادل”:
“سرعان ما أعادت وسائل الإعلام الهولندية الرئيسية، والتي ضخمت أقوالها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، صياغة الأحداث على أنها ’مذبحة‘ تستهدف اليهود، مما أدى إلى محو سياق استفزازات المشاغبين التي أشعلت الاشتباكات في المقام الأول. وأضفت التقارير طابع الإثارة على العنف ووصفته بأنه هجمات معادية للسامية مع سبق الإصرار. وفي تطور هزلي تقريباً، ادعى البعض أنه تم ترتيب رحلات إجلاء طارئة لإنقاذ الضحايا المفترضين، مستحضرين صوراً لروسيا في القرن التاسع عشر، بجرائم القتل الجماعي والقرى المحترقة.
”لقد حول السرد المبالغ فيه التركيز بسهولة عن استفزازات مثيري الشغب إلى تصوير متقن مبني بعناية لدور الضحية. ومعاً، حولت أصواته ليلة من الفوضى إلى ذروة مصممة بعناية لتقمص دور الضحية، مما أدى إلى حجب الاستفزازات التي أثارت رد الفعل العنيف في المقام الأول”.
“بحلول نهاية 8 تشرين الثاني (نوفمبر)، لم تعد القصة تدور حول عدوانية المشاغبين، وإنما تمت إعادة كتابتها لخدمة الأجندات السياسية والإعلامية، وتحويل الانتباه عن الحقيقة إلى مشهد من الغضب الأخلاقي”. عنوان المقال هو: “المذبحة” المصنعة: تسليح الفوضى في أمستردام، The manufactured ‘pogrom’: Weaponizing chaos in Amsterdam, (The Cradle)
”هجمات معادية للسامية مع سبق الإصرار”؟ “مذبحة تستهدف اليهود”؟ في أمستردام الليبرالية. هل تمزحون؟
وإذن، ما الذي يحدث حقا هنا، ولماذا يعتقد الكثير من المعلقين أن هذه العملية الغريبة (للموساد؟) في أمستردام لها علاقة بتعزيز فكرة الضحية اليهودية؟
إنهم يشعرون بهذه الطريقة لأن جميع وسائل الإعلام التقليدية وجميع السياسيين الغربيين النافذين تعمدوا تحريف ما حدث حقاً من أجل تصوير المتنمرين الإسرائيليين كضحايا عاجزين لا حول لهم ولا قوة. هذا هو السبب.
وهكذا، بطبيعة الحال، خلص الكثير من الناس إلى أن إسرائيل تقدر إلى حد كبير تصنيفها بأنها “الضحية الدائمة”، وهو أمر منطقي، بعد كل شيء؛ فالضحية هو شخص “يتعرض للقمع، أو المشقة، أو سوء المعاملة” (معجم ميريام- ويبستر). إنه ليس الشخص الذي يمارس الاضطهاد أو يتسبب في المشقة للآخرين أو يظلم. ويمكن للضحية أن يتصرف مع الإفلات التام من العقاب لأنه هو هدف الإساءة وليس الذي يمارسها. وهكذا، يمكن للضحية أن يرتكب أبشع الجرائم التي يمكن تخيلها -حتى الإبادة الجماعية- بينما يدعي أنه بريء تماماً من اللوم لأنه -كضحية- يتصرف فقط دفاعاً عن النفس.
أترون؟ تقمص وضع الضحية هو الذريعة المثالية لتبرير السلوك السيئ.
هل ثمة غرابة في أن تختار إسرائيل تعزيز هذا التصنيف “المطلي بالذهب” من خلال إثارة حادثة يكون من شأنها إحياء شبح معاداة السامية الأوروبية؟
*مايك ويتني Mike Whitney: صحفي مقيم في ولاية واشنطن، معروف بعمله كمحلل جيوسياسي واجتماعي منذ أن بدأ حياته المهنية كصحفي مواطن مستقل في العام 2002. يكتب عن مواضيع تتعلق بالسياسة والمالية، كما أنه مساهم في كتاب “ميؤوس منه: باراك أوباما وسياسة الوهم”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Was Amsterdam a Mossad Operation?
**أنيليس ماري “آن” فرانك Annelies Marie “Anne” Frank (1929 – 1945): هي فتاة يهودية ألمانية المولد احتفظت بمذكرات توثق عيشها مختبئة وسط الاضطهاد النازي أثناء الاحتلال الألماني لهولندا. وصفَت فرانك، ككاتبة مذكرات متميزة، الحياة اليومية من مخبأ عائلتها في عليّة في أمستردام. اكتسبت شهرة بعد وفاتها وأصبحت واحدة من أكثر الضحايا اليهود للهولوكوست مناقشة عندما نشرت في العام 1947 مذكراتها “يوميات فتاة صغيرة” أو ”الملحق الخلفي”، التي توثق حياتها في الاختباء من العام 1942 إلى العام 1944. وتعد مذكراتها أحد أشهر الكتب في العالم، وكانت الأساس للعديد من المسرحيات والأفلام.