عروبة الإخباري –
الديار – ندى عبد الرزاق –
في زمن الحروب والأزمات، تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة بديلة للإعلام التقليدي، تُستخدم لنقل الأخبار العاجلة، وللتنسيق بين الأفراد، وحتى لخوض معارك نفسية. يلجأ الناس إلى هذه المنصات بحثًا عن سرعة الوصول إلى المعلومة ومرونتها مقارنة بالوسائل التقليدية، وفي لبنان، حيث يتصاعد العدوان الاسرائيلي على لبنان، تبرز هذه الظاهرة بشكلٍ لافت. وبذلك، أصبحت الشبكات الرقمية ليست فقط منصة لتبادل الأخبار والمواقف، بل أيضًا ميدانا جديدا للحرب النفسية التي تُشن بين الطرفين.
لماذا يتجه الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي؟
تقول الدكتورة ماري، المتخصصة في الاعلام الرقمي من الجامعة اللبنانية لـ “الديار” “عند وقوع الأزمات، سواء في لبنان أو في أي مكان آخر، يُصبح الاعتماد على الوسائط الالكترونية خيارا رئيسيا للكثيرين. هذا التوجه ليس مقتصرا على لبنان فقط، بل هو ظاهرة عالمية تتجلى في عدة أسباب. في حالات الطوارئ، يحتاج الأفراد إلى مصادر سريعة ودقيقة للمعلومات التي تحدد خطواتهم التالية. وفي هذا المجال، تقدم منصات مثل “فيسبوك” و “واتساب” و “تيك توك” و”تلغرام” تحديثات لحظية وديناميكية، قد تفتقر إليها محطات الإعلام التقليدية، التي تكون غالبا أبطأ أو متأثرة بالتحيز السياسي”.
دوافع وطنية!
وتضيف “في السياق اللبناني، تظهر عدة أسباب لهذا الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أبرزها:
1. السرعة الفائقة: في زمن الأزمات، تكون المعلومة السريعة أهم من الاخبار التفصيلية. اذ توفر وسائل التواصل الاجتماعي مستجدات فورية عن الأوضاع الميدانية، مما يجعلها أداة لا غنى عنها.
2. غياب الثقة بالإعلام التقليدي: يرى العديد من اللبنانيين أن الإعلام المحلي قد يكون منحازا أو متأخرا في تغطيته للأحداث، مما يدفعهم إلى البحث عن مصادر بديلة قد تكون أكثر حيادية وشفافية.
3. التضامن المجتمعي: تستخدم هذه المنصات أيضا لتنسيق جهود المساعدة، تبادل النصائح، وتخفيف الضغوط النفسية بين الناس في وقت المحن.
محاسن هذه الشبكات
وتشير الى انه “قبل الخوض في جوانب الإيجابيات والسلبيات، يجب أن نفهم أن مواقع التواصل تُعد وسيلة محورية في الظروف الصعبة، ولكن توظيفها غير المدروس قد يترتب عليه نتائج غير مرغوب فيها. انطلاقا من كل ما تقدم، تُستخدم هذه المنصات للإبلاغ عن المناطق الخطرة أو المستهدفة، مما يسهم في توفير معلومات حيوية بشكل سريع وفعّال، وهذا اتضح مؤخرا في عمليات الإنذارات التي يوجهها جيش العدو لسكان المناطق المستهدفة لإخلائها في الحال تمهيدا لقصفها. لذلك شهدنا ان المواطنين اللبنانيين اعتمدوا طريقة ارسال الخبر لتنبيه الناس او إطلاق النار في الهواء كإشارة على ضرورة مغادرة المحيط المستهدف.
وتضيف اما بالنسبة الى المخاطر والمساوئ فتشمل الاتي:
الاقاويل الملفقة: في أوقات الأزمات، تنتشر الأخبار غير الموثوق بها ، ما يؤدي إلى إثارة الذعر أو اتخاذ قرارات خاطئة من قبل الجمهور.
ضعف المحتوى الاحترافي: يفتقر الكثير من المستخدمين إلى الخبرة الإعلامية أو المهنية لنقل الأخبار بشكل دقيق، مما يعزز انتشار المعلومات المغلوطة.
مخاطبة العدو: يقوم بعض الأفراد بالتواصل مع شخصيات مثل أفخاي أدرعي بطرق غير مباشرة، سواء عبر الفيديوهات المصورة او المحتويات المكتوبة، مما يضعف الجبهة الداخلية ويؤثر في النفسية العامة للمجتمع وان كان على سبيل المزاح.
الفكاهة اللبنانية: مواجهة مختلفة
وتتابع “رغم شدة التحديات، لا يتوقف اللبنانيون عن استخدام الطرافة كسلاح معنوي فتاك من حيث مفعوله السحري والاثر الإيجابي الذي يتركه في النفوس، حيث يُخفف ذلك من الضغوط ويحافظ على التوازن النفسي. لذلك، تتحوّل المنشورات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي الى وسيلة لتحوير تصريحات العدو إلى مادة للتندر، وتُظهر كيف يمكن استخدام السخرية لقلب الموازين العاطفية لمصلحتهم. وقد ينتج من هذا الأسلوب العوامل الاتية:
التخفيف من التوتر: يتيح المرح شعورا بالقوة أمام المواقف الصعبة، مما يساهم في تعزيز قدرة الناس على التحمل في ظل المصاعب.
إيصال الرسائل بطريقة مبتكرة: السخرية ترفع الوعي بالمسائل المهمة دون الحاجة الى خطابات تقليدية أو رسمية، مما يساهم في إيصال الرسائل بشكل أكثر تأثيرا.
أدرعي: نموذج لإعلام مُوجّه
وتتطرق الى “شخصية أفخاي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، كأداة إعلامية تستخدمها إسرائيل لخوض حرب نفسية ناعمة ضد اللبنانيين. فهو لا يقتصر على تقديم الأخبار، بل يسعى إلى استمالة الجمهور العربي، مستخدما “اكس” و “تيك توك” لتحقيق أهدافه. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يختار البعض هذه السياسة؟
تجيب “من الواضح ان ادرعي يقدّم نفسه كوجه ودود لـ “الإسرائيليين”، ويخاطب اللبنانيين بلكنة مألوفة ـ وبأسلوب مدروس ولغة عربية فصحى ويستعين بأقوال لجبران خليل جبران، قاصدا التأثير في نقاط الضعف النفسية والاجتماعية. تعتمد هذه الاستراتيجية على:
1. زعزعة الثقة بالقيادة المحلية: من خلال تقديم العدو كجهة أكثر إنسانية وشفافية، يُحاول أدرعي أن يُظهر صورة إيجابية عن “إسرائيل”.
2. التأثير النفسي عبر الرسائل الناعمة: يرسل الناطق باسم الكيان الصهيوني رسائل مباشرة تهدف إلى خلق شعور بالارتباك والقلق بين اللبنانيين خلال تصاعد التوترات.
وتذكر الدكتورة ماري مجموعة من التوصيات لتفادي المجازفات، منها:
الاراجيف: التأكد من مصداقية الأخبار قبل تداولها أمر أساسي لتجنب الانسياق وراء الشائعات التي قد تضر بالمجتمع.
حظر التواصل مع أطراف معادية: يجب على اللبنانيين الامتناع عن التواصل مع شخصيات معادية للحفاظ على الأمن الداخلي.
تعزيز الوعي بمسؤولية التداول: نشر الأخبار بطريقة مدروسة دون إثارة الفزع هو أمر ضروري من اجل ضمان استقرار المجتمع في الأزمات.
وتختم “تُعد وسائل التواصل الاجتماعي أداة حيوية في زمن الواقع الصعب، لكنها في الوقت نفسه قد تكون سلاحا ذا حدين. بينما توفر فرصا للتواصل والتضامن، إلا أن الاستخدام غير المسؤول قد يفاقم الوضع. الفكاهة اللبنانية، رغم قوتها في التخفيف من الضغط النفسي، يجب أن تُستخدم بحذر في مواجهة الحروب النفسية والإعلامية التي قد تكون لها عواقب كبيرة إذا تم استغلالها بشكل غير مدروس”.