فروقات بسيطة في بعض الأرقام فقط، وإلا فإنّ مشروع موازنة 2025 يكاد يكون هو ذاته لعام 2024، وأتفهم ذلك للأسباب التالية:
1 – واقعية مشروع الموازنة 2025، استنادًا إلى استمرار ظروف عام 2024 واستمرارها لعام 2025، وأقصد هنا استمرار ظروف وتداعيات الحرب على غزة التي ألقت بكاهلها على الاقتصاد الوطني، ورغم كل التحديات استطاع الأردن بسياستيه المالية والنقدية الحصيفتين من حيث التحوط والحكمة الحفاظ على قدرة ومنعة الاقتصاد الأردني على مواجهة التحديات، فتم الحفاظ على قوة الدينار الأردني، ومعدلات تضخم من النسب الأقل عالميًا، وزادت الاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي لأكثر من 20 مليار دولار، -لا بل- نجح الأردن بتجاوز المراجعات التي أجراها صندوق النقد الدولي للاقتصاد الأردني خلال العام 2024 (المراجعة الثانية مؤخرًا بعد تجديد الاتفاق مع النقد الدولي حتى العام 2028)، إضافة لتقدم التصنيف الائتماني للاقتصاد الأردني من قبل وكالتي «موديز» و»ستاندرد آند بورز» للمرة الأولى منذ 21 عامًا، وتثبيته منذ أيام من قبل «موديز».
كل ما تقدّم ذكره إنجازات حققها الاقتصاد الأردني خلال العام 2024، وهو عام استمرت فيه تداعيات الحرب على غزة على الاقتصاد الأردني، هذه الحرب التي تسبّبت -مع تطورات الاضطرابات عند باب المندب والبحر الأحمر- بتراجع سلاسل التوريد، وتراجع إيرادات العديد من القطاعات، في مقدمتها السياحة التي تشكل نحو 14.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وقطاعات التجارة والنقل والعقار وغيرها من القطاعات الاقتصادية.
2 – موازنة 2024 كانت «متحفظة ومتحوطة»، وتم تخصيص نحو 100 مليون دينار للطوارئ، ولكنها عانت من تراجع في الإيرادات «المقدّرة» بسبب ظروف الحرب، الأمر الذي عالجته الحكومة من خلال تخفيضات على مخصصات الإنفاق في الوزارات والدوائر الحكومية، إضافة لما فرضته من رسوم مؤخرًا على السيارات الكهربائية والسجائر.
3 – في موازنة 2024 تم تخصيص نحو 1.7 مليار دينار للمشاريع الرأسمالية، وتمت الإشارة وقتذاك إلى أنها المخصصات الأعلى بتاريخ موازنات الحكومات، لكن من الواضح -وكما هو المعتاد في معظم الموازنات السابقة- لم يتم إنفاق تلك المخصصات على مشاريع رأسمالية «حقيقية»، ومن هنا تمّ تخصيص مبلغ (1.469) مليار دينار فقط للنفقات الرأسمالية 2025، مع الإشارة إلى أنها بارتفاع نسبته (16.5 %) عن مستواها «المعاد تقديره» لعام 2024، أي أن تلك المخصصات أكثر دقّة وواقعية عن مخصصات موازنة 2024.
4 – لا فرق كبيرًا بحجم موازنة 2025 (وفقًا لمشروعها المقدم لمجلس الأمة) عن موازنة العام 2024، والتي كان حجمها = 12.371 مليار دينار، في حين يشير مشروع موازنة 2025 إلى أن حجمها = 12.511 مليار دينار، أي أنّ هناك زيادة 140 مليون دينار فقط، ربما تشكل الزيادة الطبيعية برواتب الموظفين والمتقاعدين وبعض النفقات البسيطة هنا أو هناك.
5 – ربما ركّز مشروع موازنة 2025 أكثر على المشاريع الكبرى، وبشكل محدد تمت الإشارة إليها وهي (الناقل الوطني للمياه، ومشروع سكة الحديد التي تربط ميناء العقبة بالشيدية وغور الصافي). وبالمناسبة، هناك مخصصات سنوية (50 مليون دينار) لمشروع الناقل الوطني في موازنات الحكومة، وباقي الكلف هي منح وقروض خارجية.
6 – المختلف بمشروع موازنة 2025 يتعلق بزيادة مخصصات الحماية الاجتماعية، وتحديدًا ما يتعلق بـ:
أ)- زيادة عدد الأسر المستفيدة من صندوق المعونة الوطنية إلى نحو 15 ألف أسرة جديدة تضم 90 ألف فرد.
ب)- زيادة مخصصات صندوق دعم الطالب الجامعي بنسبة 50 % لتصبح إجمالي مخصصاته 30 مليون دينار، ليصبح عدد الطلبة المستفيدين 53 ألف طالب بدلاً من 44 ألفًا العام الماضي.
ج)- الاستمرار برصد مخصصات لدعم السلع الغذائية الاستراتيجية (القمح – الشعير – أسطوانة الغاز المنزلي)، والدعم غير المباشر لخدمات (المياه – الكهرباء – والصحة).
7 – الأساسيات الأخرى موجودة في موازنة 2025 كما 2024، وفي مقدمتها رصد المخصصات اللازمة والضرورية لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية الباسلة.
8 – التأكيد على أنه لن يكون هناك ضرائب أو رسوم جديدة على المواطنين العام المقبل.
*باختصار:
الفروقات بسيطة بين موازنة 2024 ومشروع موازنة 2025 لأن الظروف هي ذاتها والفرضيات كما هي، وهي جميعها كانت وستبقى مبنية على فرضيات بقاء الحال الإقليمي على ما هو عليه دون تصعيد أو توسع في رقعة الحرب، لأنه عند ذلك -لا قدّر الله- ستتغير كل تلك الفرضيات.
ستبقى «الحركة» والتطوير في موازنة قرابة 70 % من نفقاتها مخصص للرواتب والتقاعد، وقرابة 20 % لخدمة الدّين، وما تبقّى فقط للمشاريع الرأسمالية المحدودة. وستبقى توقعات وفرضيات النمو متواضعة عند 2.5 %، ولا تؤثّر كثيرًا بخلق مزيد من الوظائف. لذلك فإنّ الحل سيبقى بالعمل الحثيث والدؤوب على جذب استثمارات تنشّط الاقتصاد، وترفع معدلات النمو، وتخلق مزيدًا من الوظائف. وهذه -بالمناسبة- ركائز ومستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة طريق تطوير القطاع العام.