عروبة الإخباري –
الخبر – ريتا شهوان –
يُقدّم كتاب “الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة” للدكتور جمال سند السويدي دراسةً مُعمّقةً وشاملةً لكيفية مُحافظة الإمارات على خصوصيّتها الثقافيّة وهويتها الوطنية، في ظلّ مسيرة تطوّرٍ متسارعةٍ تُواكب التحدّيات العالميّة من سياسات التنمية المستدامة الى التغيير المناخي والذكاء الاصطناعي. فالخصوصية الثقافية هي في التاريخ، من الصحراء، من شجر النخيل، من الوفاء لابناء الوطن. يدخل السويدي في هذا التوازن الدقيق الذي أحرزته الدولة بين الأصالة والتحديث، القبيلة والمدنية والدولة، حيث تُواصِل التمسّك بقيمها وتقاليدها الراسخة، مُتبنّيةً في الوقت نفسه التطوّر التكنولوجيّ والاقتصاديّ والسياسيّ الذي يفرضه العالم المُعاصر، إضافة الى وجود منظمات دولية تحدد الحقوق الانسانية.
يُركّز الكتاب بشكلٍ خاصٍّ على دور القيادة الحكيمة والرشيدة وهي من خصال الديمقراطية في صياغة لحمةٍ شعبية صلبة، مستشهداً بدور الشخصية المحورية في تاريخ الامارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وفي وضع الأسس التي حفّزت المُجتمع الإماراتيّ على صَون هويّته الوطنية، من رائحة الشخصيات التي صنعت الدولة، في مُواجهة التغيّرات الجذريّة التي شهدتها المنطقة والعالم.
في الكتاب تعمّق في آليّات مُحافظة الإمارات على تنوّعها الثقافيّ والقبليّ، مستندةً إلى مبادئ الفكر المدنيّ التي يُكرسها الدستور الإماراتيّ، إضافة الى الشريعة الإسلامية، مما عزّز الوحدة الوطنيّة وحقّق تكاملاً بين الهويّات المُختلفة داخل الدولة وسمح للدولة ان تقدم فرصا للاندماج في المجتمع الاماراتي على كل اطيافه. ولم يُشكّل هذا التنوّع عقبةً في مسيرة التقدّم، بل كان مصدراً للقوّة، حيثُ استطاعت الدولةُ الحفاظ على اللحمة الوطنيّة من خلال احترام هذه الهويّات المُتعدّدة وتحقيق المساواة بينها والانتقال الى دولة الرفاه.
ويُبرز الكتاب أهميّةَ الانتقال من النظام القبليّ إلى دولة مؤسساتيّة حديثة، حيث بنت الإمارات مؤسّساتها على أسُسٍ دستوريّةٍ واضحة، مما مكّنها من مُواجهة التحدّيات الداخليّة والخارجيّة بمرونةٍ عالية مع الحفاظ على نظام حماية اجتماعية وتامين عدالة اجتماعية للجميع آخذة من كل النظريات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ما يؤمن رفاهية الشعب، تطلعات الدولة وقدرتها على الاستفادة من مواردها ومسابقة أنظمة العالم، هي تلك الدولة التي زارتها بريطانيا يومًا.
ولا يقتصر الكتاب على الجوانب الداخليّة فحسب، بل يتناولُ أيضا كيفيّة تفاعل الإمارات مع التغيّرات العالميّة، حيثُ نجحت في بناء اقتصادٍ مُنافسٍ قائمٍ على أسواق نيوليبراليّة، مُحافظةً في الوقت نفسه على هويتها الوطنيّة وثقافتها العريقة. كما تجسّدت سياسات الحُكم الرشيد والنهج الديمقراطيّ في تمثيل المرأة في البرلمان وتفعيل المُشاركة السياسيّة.
يُضيفُ الكتابُ إلى ذلك إبرازَ دور الإمارات في التنمية المُستدامة، من خلال التزامها بحقوق الإنسان ورعاية أصحاب الهمم، وسياساتها البيئيّة المُتوافقة مع التوجّهات العالميّة. هذه المُمارسات جعلت من الإمارات نموذجاً عالميّاً يُجسّدُ التمازُج بين الحفاظ على الهويّة والقدرة على التكيُّف مع العولمة.
يُمثّلُ هذا الكتاب مرجعاً قيّماً للُباحثين والدارسين في شؤون منطقة الخليج العربيّ، حيثُ يُقدّم فَهماً عميقاً وشاملاً للهويّة الوطنيّة الإماراتيّة، ويُحلّلُ التحدّيات والفُرص التي تُواجهها الدولة في الحفاظ على هويتها الأصيلة في عصر العولمة. ولا يقتصر دوره على التحليل التاريخيّ أو الثقافيّ، بل يمتدّ ليكون دليلاً عمليّاً لصنّاع القرار في كيفيّة تعزيز الهويّة الوطنيّة وحمايتها من التأثيرات الثقافيّة والاقتصاديّة المُتنوّعة.
ويُشكّلُ البُعدُ التوجيهيّ للكتاب أحد أهمّ مميزاته، حيثُ يُقدّم إطاراً مرشداً لصياغة سياسات الهويّة الوطنيّة وتحديد المُؤشّرات التي ينبغي أن تُراعى في الكتب والمناهج الدراسيّة الخاصّة بالتربية الوطنيّة. ومن خلال تقديم توصياتٍ استراتيجيّةٍ ومفاهيم قيّمة، يُساهم الكتاب في رسم خارطة طريق لتطوير مناهج تربويّة فعّالة تُنشّئ أجيالاً تتمتّع بفهمٍ عميقٍ لهويتها الوطنيّة، مما يُعزّز اللحمة الاجتماعيّة والوحدة الوطنيّة في دولة الإمارات العربيّة المُتحدة المحافظة على الخصوصية بفضل شخصياتها ودولتها التي لا تتفكك وتطبق نظام فدرالي يؤمن تنمية مستدامة في ظل وفرة مداخيل الدخل بفضل تنويع الاقتصاد.
في الختام وفق كل ما سبق في تاريخ الامارات يستخلص “الخبر” بنسخته البريطانية، انه تسهم الشراكات الدولية بدورٍ فعال في تعزيز الهوية الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة وترسيخ مكانتها المتميزة. فمن خلال التبادل الثقافي والمعرفي المُنتقى بعناية مع دول أخرى، تُتاح الفرصة للإمارات العربية المتحدة لتقديم نموذجها التنموي المُلهم للعالم، مع إثراء تجربتها الوطنية بآراء وتجارب جديدة تُعزز من مسيرتها دون المساس بأصالتها وتفرّدها. إن هذه الشراكات، إذ تُراعي الخصوصية الإماراتية وتُنسجم مع السياق المحلي، تُسهم في توثيق أواصر اللحمة الوطنية وتُعزز قيم التسامح والانفتاح المتجذرة في مجتمع الإمارات. وفي ظل أحداثٍ مثل حرب غزة، يتعزز داعي التعمّق في مبادرات التسامح، من خلال البحث في الجذور التاريخية بعيدا عن الايديولوجيات الوهمية المحاطة بالرمزيات والمشتركات الثقافية مع الديانة اليهودية وفهم دور الثقافة السامية، بهدف بناء جسور التفاهم والسلام. كما تُركز هذه الشراكات على تحقيق أهداف استراتيجية مُحددة، في إطار من الثقة والاحترام المتبادل بين الشركاء، بما يعود بالنفع على الدولة ويُعزز مكانتها الرائدة إقليمياً وعالمياً، مؤكدةً قدرة الإمارات على مُجاراة العالم والمُساهمة في بناء مستقبلٍ أفضل للجميع.