عروبة الإخباري –
يعتبر الأردن من البلدان التي تمتلك موارد طبيعية واعدة، ومن بين هذه الموارد اليورانيوم، الذي يُشكل كنزاً استراتيجياً يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة ، تأسست شركة تعدين اليورانيوم الأردنية (JUMCO) في عام 2013، وهي شركة مملوكة للحكومة الأردنية، ممثلة بهيئة الطاقة الذرية الأردنية (JAEC). تهدف الشركة إلى استكشاف وتعدين ومعالجة المعادن النووية وغير النووية مثل اليورانيوم والثوريوم والزركونيوم والفاناديوم، بالإضافة إلى العناصر الأخرى الموجودة في الخامات الطبيعية بالأردن.
خلال العقد الأخير، قطعت الشركة خطوات كبيرة في تطوير مشروع اليورانيوم المركزي في الأردن (Central Jordan Uranium Project – CJUP)، وحققت نتائج مهمة تتعلق بالاستكشاف الجيولوجي وتقدير موارد خامات اليورانيوم بناءً على متطلبات لجنة احتياطيات الخام المشتركة الدولية (JORC). في عام 2022، أعلنت الشركة عن نجاح تشغيل مصنع ريادي لإنتاج (الكعكة الصفراء )من خام اليورانيوم المحلي، حيث تم إنتاج 20 كيلوغراماً من الكعكة الصفراء بكفاءة عالية بعد معالجة 160 طناً من الخام الموجود في منطقة وسط الأردن. ومن المتوقع أن يزداد الإنتاج تدريجياً، حيث سيتم معالجة مئات الأطنان من الخام لإنتاج عشرات الكيلوغرامات من الكعكة الصفراء، التي تُعد الركيزة الأساسية للإنتاج الصناعي.
تشير نتائج الاستكشافات الجيولوجية المكثفة إلى أن الأردن يمتلك حوالي 42 ألف طن من موارد الكعكة الصفراء كتقديرات أولية مرشحة للزيادة ، وذلك وفقاً لتقارير JORC. ولتحقيق هذه التقديرات، قامت شركة JUMCO بحفر أكثر من 9000 خندق وجمع أكثر من 90,500 عينة جيوكيميائية للتحليل الكيميائي والفيزيائي، مما يزيد من موثوقية البيانات ويعزز من دقة التقديرات. كما تمت جميع مراحل الإنتاج وفق المعايير الدولية ومتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يعزز من سمعة الأردن كلاعب موثوق في قطاع الطاقة النووية.
الوصول إلى هذا المستوى من الإنتاج لا يقتصر فقط على الجهود الجيولوجية التقليدية، بل يمكن تعزيز دقة وفعالية استكشاف اليورانيوم ومعالجته باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تسريع وتيرة الاستكشاف وتحليل البيانات بطرق تتجاوز الإمكانيات البشرية التقليدية. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الجيوكيميائية والجيوفيزيائية لتحديد المناطق ذات التركيزات العالية من اليورانيوم بدقة أكبر وفي وقت أقل.
علاوة على ذلك، يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات المعالجة والتكرير، مثل تحسين تقنيات استخراج الكعكة الصفراء من الخام. من خلال النمذجة الذكية والتحليل الفوري، يمكن تحديد الطريقة المثلى لمعالجة كل دفعة من الخام بناءً على خصائصها الفيزيائية والكيميائية، مما يؤدي إلى تقليل التكلفة وزيادة الكفاءة. ومن خلال مراقبة بيانات العمليات بشكل مستمر، يمكن تحسين ظروف التشغيل في الوقت الفعلي، وبالتالي تقليل النفايات والتأثيرات البيئية المرتبطة بعمليات استخراج اليورانيوم.
كما يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقاً جديدة لتطوير أدوات استشرافية تعتمد على البيانات الضخمة (Big Data) لتقدير الاحتياطيات المستقبلية في الأردن. من خلال استخدام قواعد بيانات شاملة تحتوي على معلومات جيولوجية وبيئية واقتصادية، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم توقعات دقيقة حول الكميات المحتملة من اليورانيوم في مناطق غير مستكشفة، مما يعزز من الرؤية الاستراتيجية للحكومة الأردنية في قطاع الطاقة النووية ويزيد من فرص الاكتشافات المستقبلية.
إلى جانب هذا، يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة الموارد البيئية وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة باستخراج ومعالجة اليورانيوم. باستخدام نماذج التنبؤ المتقدمة، يمكن تحديد التأثيرات البيئية المتوقعة قبل تنفيذ المشاريع، مما يمكّن الجهات المعنية من اتخاذ إجراءات وقائية لضمان سلامة البيئة والمجتمع المحلي. كما يساعد الذكاء الاصطناعي في رصد جودة الهواء والتربة والمياه المحيطة بمواقع الإنتاج، مما يوفر طبقة إضافية من الأمان البيئي.
على المدى البعيد، يحمل الذكاء الاصطناعي إمكانيات هائلة لتعزيز استدامة مشاريع اليورانيوم في الأردن. بفضل التطور المستمر في هذا المجال، يمكن تحسين عمليات الصيانة والتنبؤ بالأعطال، مما يقلل من فترات التوقف ويزيد من فعالية التشغيل. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل أسواق الطاقة وتوقع الطلب العالمي على اليورانيوم، مما يسهم في تحسين قرارات الإنتاج والتصدير ويضمن للأردن استفادة مثلى من موارده الطبيعية.
ختاماً، يُعد اليورانيوم في الأردن كنزاً استراتيجياً يحمل فرصاً اقتصادية كبيرة، خاصة مع تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات الاستكشاف والإنتاج. من خلال استغلال هذه التقنيات، يمكن للأردن تحقيق رؤيته الاستراتيجية في مجال الطاقة النووية وتحقيق قدر من الاستقلالية في هذا القطاع الحيوي، مما يمهد الطريق لمستقبل واعد ومستدام يعتمد على موارد محلية في تلبية احتياجاته من الطاقة.