جاءت القمة العربية الاسلامية في الرياض حساسة من حيث التوقيت والدلالات، خصوصا انها القمة الثانية بعد حرب غزة، والاولى كانت قبل عام وفي ذات يوم القمة الثانية.
حساسية التوقيت ترتبط بتغير الظروف، فقد كنا امام حرب همجية على الفلسطينيين في قطاع غزة، واليوم نحن امام حرب في لبنان، ورئاسة جديدة في الولايات المتحدة الاميركية، وتصعيد ايراني اسرائيلي، وجبهات جديدة مفتوحة في اليمن والعراق وربما سورية، ومع هذا حصار غير مسبوق على الفلسطينيين داخل قطاع غزة، حيث حرب التجويع والتمريض، تضاف الى الحرب العسكرية، وهذا يعني ان توقيت القمة اكثر تعقيدا، ويفيض بالتوترات الاقليمية والدولية.
في القمة يوجه الملك اشارة الى قيادات العالمين العربي والاسلامي قائلا.. لا نريد كلاما، نريد مواقف جادة وجهودا ملموسة لإنهاء المأساة، وإنقاذ أهلنا في غزة، وتوفير ما يحتاجون من مساعدات، والاشارة هنا حساسة للغاية، لانها تؤشر على ان الملف الفلسطيني لا يمكن معالجة تحدياته بمجرد الكلام، او التضامن في الصياغات الرسمية، ولا بد من تحرك مختلف من اجل انهاء عملية الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، تحت نظر العالم وفي ظل سكوته.
لحقتها اشارة ثانية تحمل نقدا ضمنيا للمجتمع الدولي حين يقول الملك..” كيف لنا أن نخاطب الأجيال في بلادنا، وكيف لنا أن نبرر لهم الفشل العالمي في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان”.. وهكذا تكون الاشارة حساسة ايضا، لأنها تقول للعالم انه يتفرج على مذبحة الفلسطينيين واللبنانيين، ولا يوقف هذه الحرب، ولا يبذل الجهد الكافي لوقف سفك الدم.
الكلمة قصيرة ومحملة بالرسائل وكافية للتعبير عن موقف الأردن، خصوصا، عند حديث الملك عن الحاجة لجسر انساني ودعوته للاشقاء والاصدقاء لإغاثة اهل غزة، والمشاركة في إطلاق جسر إنساني لإيصال المساعدات الطارئة إلى غزة، لوقف الحرب عليهم وكسر الحصار، ورفع الظلم عنهم وعن اهل الضفة الغربية.
ملف المساعدات الانسانية يثير قلق الأردن وقد تحرك الأردن على صعيده مرارا سواء عبر مؤتمر الاستجابة الانسانية الطارئة لقطاع غزة الذي انعقد في الأردن في شهر حزيران الماضي، او في مطالبة الملك العواصم الدولية لفرص بوابة لإدخال المساعدات الى القطاع خلال كلمته في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في شهر ايلول الماضي.
برغم ظروف الأردن الصعبة الا انه واصل حملاته الانسانية للقطاع عبر الهيئة الخيرية الهاشمية من خلال اكثر من 4 الاف شاحنة نقلت المساعدات وقرابة 400 عملية انزال جوي، وما يرتبط بالمستشفيات الميدانية التي اقامها الأردن حتى قبل هذه الحرب ومنذ اكثر من 16 سنة داخل غزة، وتوسعت اليوم لتشمل معالجة مبتوري الاعضاء، وغير ذلك، حيث وصلت المساعدات الأردنية وتلك العربية والدولية التي اوصلها الأردن الى اكثر من مليون وثلاثمائة الف فلسطيني.
توتر الأردن يعود الى نقص مخزون المساعدات حاليا بسبب تراجع او توقف الامداد العربي والاسلامي والدولي، بما يؤشر على ازمة اخطر مقبلة على الطريق، حيث اهل غزة يحتاجون الى الف شاحنة يوميا، فيما لا يدخل الا عدد قليل جداً بلغ ستين شاحنة خلال الاسبوع الاخير من شهر تشرين الأول الماضي، وهو رقم مرعب خصوصا، مع ازدياد احتياجات الغزيين، حيث بات الأردن بوابة المساعدات الوحيدة نحو القطاع، بما يفرض اعادة اطلاق حملة انسانية عربية واسلامية ودولية بالتنسيق مع الأردن، او حتى بأي طريقة كانت لأن الاهم انقاذ الغزيين.
المنطقة تعبر توقيتا صعبا، ولهذا تم التحذير يوم امس مما يجري في الضفة الغربية، والمسجد الاقصى، وهذا التحذير تأسس على واقع صعب جدا، وقد قرأنا مساء الاثنين تصريحات تشير الى ان وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي المنتمي لليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش، أصدر تعليمات للتحضير لبسط السيادة على الضفة الغربية.
من المؤكد هنا ان الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة في ملفي فلسطين ولبنان، وما يرتبط بحل الدولتين، ورفض اسرائيل لقيام هذه الدولة، واستمرار المذابح، وهي مذابح لا بد من وقفها، بعد ان بلغت الخسائر الانسانية حدا لا يمكن احتماله لا بمنطق الارقام، ولا بالمشاعر ايضا، وسط المخاوف من حرب اقليمية، قابلة للتمدد في ظل هذه الظروف.