يحيي الأردن، اليوم ، الذكرى السنوية الخامسة لاستلامه أراضي الباقورة والغمر، بعد أن أنهى جلالة الملك عبد الله الثاني في 21 تشرين أول/ أكتوبر 2018 نظاما خاصا سمح فيه الأردن لإسرائيل باستخدامها.
وتبلغ مساحة الباقورة 820 دونما في شرقي نقطة التقاء نهر الأردن مع نهر اليرموك، احتلتها إسرائيل عام 1950، واستعادها الأردن من خلال اتفاقية السلام.
أما الغمر، فتقع في وادي عربة بين جنوب البحر الميت وخليج العقبة، بمساحة 4235 دونما، احتلتها إسرائيل خلال الفترة 1968-1970، واستعادها الأردن بموجب معاهدة السلام.
ولاقى قرار استعادة الأردن لأراضيه في الباقورة والغمر بقرار ملكي أنهى العمل بالملحقين الخاصين باتفاقية وادي عربة للسلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة في 1994، ترحيبا رسميا وشعبيا كبيرا أكدت من خلاله الدبلوماسية الأردنية قوتها وحيويتها في التعامل مع الملفات الخاصة بالسيادة.
وأكد جلالة الملك خلال تفقده مشروعا زراعيا كبيرا تنفذه القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي بمنطقة الغمر، أن منطقة الغمر لها مكانة خاصة، وغالية على قلوب الأردنيين جميعا، قائلا: «فلنجعل منها قصة نجاح أردنية ونموذجا لمشاريع زراعية مماثلة في ربوع الوطن».
«انتصار للإدارة السياسية»
وشكل إعلان جلالة الملك بانتهاء العمل بملحقي الغمر والباقورة، وفرض السيادة الأردنية الكاملة على كل شبر منه، انتصارا للإرادة السياسية الأردنية، التي يمثلها جلالة الملك.
جلالة الملك قرر في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل، وأكد جلالته في 10 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، في خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الرابعة لمجلس الأمة 18، انتهاء العمل بالملحقين.
وقال الملك على تويتر إن «سيادة الأردن على أرضه فوق كل اعتبار»، بعد زيارته في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، برفقة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، منطقة الباقورة شمالي الأردن.
وقال جلالة الملك عبدالله الثاني، حينذاك ، إن الأردن قرر إنهاء الملحقين اللذين سمحا لإسرائيل باستخدام أراضي الباقورة والغمر. وأضاف جلالته، خلال لقائه شخصيات سياسية في قصر الحسينية، إنه تم إعلام إسرائيل بالقرار الأردني بإنهاء العمل بملحقي اتفاقية السلام.
وقال جلالته إن «الباقورة والغمر أراض أردنية وستبقى أردنية، ونحن نمارس سيادتنا بالكامل على أراضينا».
وأشار جلالة الملك، خلال اللقاء، إلى أن موضوع الباقورة والغمر، الذي تم تناوله بشكل كبير، على رأس أولوياتنا منذ فترة طويلة، مؤكدا جلالته «أولوياتنا في مثل هذه الظروف الإقليمية الصعبة هي حماية مصالحنا، وعمل كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين».
وكان الملحقان منحا إسرائيل حق استعمال في أراضي منطقتي الباقورة والغمر اللذين استعادتهما المملكة عند توقيع معاهدة السلام، وقررت المملكة إنهاء العمل بهما بعد انتهاء مدتهما.
وصدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء إنهاء العمل بملحقي معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر، في الأول من شهر تشرين الثاني عام 2018.
وتضمن اتفاق الحدود في المادة 3 من المعاهدة البند 8، الأخذ «بعين الاعتبار الأوضاع الخاصة بمنطقة الباقورة/ نهاريم التي هي تحت السيادة الأردنية، وفيها حقوق امتلاك خاصة إسرائيلية»، حيث يقرر الطرفان تطبيق المواد المنصوص عليها في الملحق 1(ب).
كما تضمن البند 9 من المادة ذاتها ما يتعلق بمنطقة الغمر/ تسوفار بحيث تطبق المواد المنصوص عليها في الملحق 1(ج).
– مشروع زراعي كبير –
وزار جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، في وقت سابق منطقة الباقورة شمالي الأردن، ومنطقة الغمر في وادي عربة.
وتنفذ القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، مشروعا زراعيا كبيرا في منطقة الغمر جنوبي المملكة، حيث إن المشروع الزراعي الذي باشرت القوات المسلحة الأردنية بإنشائه في إطار دورها التنموي، يهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي وتنمية المجتمعات المحلية وإدخال أحدث أنواع التكنولوجيا الزراعية، وتأهيل القوى العاملة الوطنية، من خلال استغلال حوالي 14 ألف دونم من الأراضي المستعادة والمجاورة لها، ضمن خطة خمسية.
وتضمن المشروع في مرحلته الأولى، التي تمثل 10% من الخطة الخمسية، تجهيز البنية التحتية من آبار المياه وأنظمة الري الحديثة، وإنشاء مركز تعبئة وتغليف بمواصفات عالمية لدعم المزارعين في المنطقة، إذ تم أخذ احتياجات المزارعين بوادي عربة في عين الاعتبار وبالأخص الأصناف الشبيهة.
كما تضمن، زراعة 2000 بيت بلاستيكي بالفلفل على أراض تقدر مساحتها بألف دونم، وتم زراعة 240 بيتا بالثوم (تقاوي) والتي ستنتج بذور ثوم كافية لزراعة ألف دونم.
معاهدة السلام وملحق الباقورة والغمر
قرار جلالة الملك عبد الله الثاني في تشرين أول 2018 بعدم تجديد العمل بحق المنفعة لإسرائيل في أراضي الباقورة والغمر وفق اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية أنهى حالة جدل دارت طوال السنوات الماضية.
القرار الملكي شدد على أن الباقورة والغمر أراض أردنية تحت السيادة التامة، فوفقا لمعاهدة السلام ينبغي على أحد طرفي الاتفاق إعلام الطرف الآخر بعدم رغبته بتجديد الملحقين قبل عام من انقضاء المدة المحددة بمدة 25 عاما منذ أن وُقعت الاتفاقية في 26 أكتوبر 1994.
معاهدة السلام، والتي تعرف شعبيا باسم معاهدة وادي عربة، تضمنت بنودا تنظم العلاقات السياسية والدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني وتنظيم حصص المياه في الأنهار المشتركة.كما تضمنت المعاهدة ترسيم الحدود بين الأردن وإسرائيل لأول مرة منذ الانتداب البريطاني.
وضمن الجدل الحدودي المستمر الذي تتذرع به إسرائيل على الدوام طرحت على طاولة التفاوض مسألة أراضي الباقورة والغمر.
أراضي الباقورة في الشمال والغمر في الجنوب هي أراض حدودية تقع في الجهة الغربية من المملكة، ومنذ زمن الإمارة كانت تحت السيادة الأردنية وضمن الحدود المرسومة زمن الانتداب البريطاني.لكن على طاولة المفاوضات، طرح الإسرائيليون فكرة شرائها بدلا من إعادتها، الأمر الذي رفضه الأردن بشكل قاطع.
وتنص اتفاقية السلام في الملحق 1 (ب) على تطبيق نظام خاص على منطقة الباقورة في الأغوار الشمالية تعترف إسرائيل من خلاله بالسيادة الأردنية على هذه المنطقة، إلا أن ذلك تبع بعبارة تقول إن المنطقة فيها حقوق ملكية أراضٍ خاصة، وبالتالي يتعهد الأردن وفقًا للمعاهدة بأن «يمنح، حرية غير مقيدة للمتصرفين بالأرض بالدخول إليها والخروج منها واستعمالها».
كما يسمح الأردن «بدخول رجال الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي، بالحد الأدنى من الشكليات، إلى المنطقة لغرض التحقيق في الجرائم أو معالجة الحوادث الأخرى المتعلقة حصرًا بالمتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم».
مشروع روتنبرغ
في 5 آذار 1926، في عهد إمارة شرق الأردن منحت سلطات الانتداب البريطاني شركة الكهرباء الفلسطينية حق امتياز توليد الطاقة الكهربائية عن طريق استخدام مياه نهر الأردن، وكان الهدف من المشروع تأهيل البنية التحتية في فلسطين تشجيعا للهجرة.
في عام 1950 زحفت إسرائيل نحو الشرق واحتلت أراضي الباقورة فارضة عليها حكما عسكريا وضمتها بالقوة، في ذلك العام ناقش مجلس النواب الأردني الثاني قضية احتلال الباقورة.
أراضي الغمر
تمتد أراضي الغمر داخل الحدود الأردنية بشكل طولي يصل إلى 5 كيلومترات احتلت عقب حرب عام 1967.
ومارست إسرائيل على أراضي الغمر احتلالا عسكريا كاملا ثم حولتها إلى أهم النقاط الزراعية التي تغذي المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها إسرائيل.
وخلال مفاوضات وادي عربة تمسكت إسرائيل بأراضي الغمر باعتبارها «امتدادًا طبيعيًا» لمستوطنة «تسوفار» قرب الحدود الأردنية.
ولأن إسرائيل تتعامل مع الزراعة كأهم أداة استيطانية توسعيّة، رفضت أن تتخلى عن هذه القطعة التي تبلغ مساحتها الكلية 4000 دونم تقريبًا، تبلغ المساحة المزروعة منها ألف دونم، كما أنها تحتوي على عشرات الآبار الارتوازية.
وهكذا تمسكت إسرائيل بالأراضي لأنها امتداد للمستوطنات ولأهميتها الزراعية والمائية، ولم تبادل تلك الأرض بأي أرض في الجانب الآخر.
وأدرجت الغمر تحت «نظام خاص» بحيث ينطبق عليها ما ينطبق على الباقورة تماما حيث تعترف إسرائيل بالسيادة الأردنية عليها بالمقابل على الأردن أن يضمن «حقوق المزارعين الإسرائيليين فيها».
ومثل الباقورة، حدد النظام الخاص مدة الاستملاك ب 25 عاما يمكن وقفها قبل عام من انتهاء المعاهدة شريطة إبلاغ الأردن رغبته بذلك.
وعلى مدى عام كان الجدل يستمر حول هذه الملاحق والظروف التي أحاطت بطريقة توقيعها في ذلك الوقت.
وما إن حل 24 عاما على توقيع اتفاقية السلام، حتى أثيرت الكثير من التساؤلات في الشارع الأردني، وتحول الملف إلى قضية وطنية عامة تحظى بأولوية كبيرة، خاصة أنها اعتبرت مسألة كرامة وطنية.
وبناء على القرار الأردني تم حسم مصير هذه الأراضي بشكل نهائي.
الذكرى السنوية الخامسة لاستعادة أراضي الباقورة والغمر.. انتـصـار للإرادة السيـاسيـة الأردنـيـة
16