من المهم والمفيد أن يتفاعل الجميع مع المناهج الدراسية لأنها الأداة الفعالة التي تستخدمها المجتمعات في بناء وتشكيل شخصية أفرادها وفقا لفلسفة وثقافة ومعتقدات هذه المجتمعات، وهي تعكس تطلعاتها وطموحها وتعكس واقع هذه المجتمعات وما تعانيه من أزمات.
ولكن يلاحظ على بعض الدراسات التي تمت حول المناهج الدراسية المطورة أنه قد عابتها بعض المثالب والعيوب التي تطعن في صدقيتها وأهدافها.
ومن ذلك ما يلي:
أولا: أن بعض الدراسات التي أجريت حول كتب التربية الإسلامية تقوم بمقارنة الكتب الجديدة المطورة بالكتب القديمة، وهذه المقارنة (باطلة) لأن عملية التطوير استندت إلى إطار جديد مختلف في منطلقاته وتوجهاته عن الإطار السابق، حيث إن عملية تأليف الكتب المطورة لم تكن مجرد (تعديل) على الكتب السابقة بالإضافة عليها أو الحذف منها، أو التقديم أو التأخير، وإنما جاءت بنمط تربوي ومعرفي له ميزاته المتعددة، ويجب أن يحاكم ويقيم كما هو لا بمقارنته بمنهاج سابق .
ثانيا: أن موضوعية أي دراسة علمية تقتضي الوقوف على الإيجابيات والسلبيات، وتجنُّب الباحث للتَّحيُّزات الشخصية، وعدم إصدار الأحكام إلا بعد تحليل المحتوى بتجرُّد وشفافية، وفي حالة عدم اتِّباع ذلك فسيُصبح البحث العلمي غير نزيه، ومُوجَّهًا لأغراض تنطوي على مصالح شخصية أو سياسية.. إلخ، ولن يُحدث الأثر المرجو منه.
وقد أجريت عدد من الدراسات والبحوث العلمية الأكاديمية حول كتب التربية الإسلامية المطورة وفق منهجية علمية منضبطة، وكانت نتائج هذه الدراسات العلمية إيجابية. ومن الدراسات العلمية الموضوعية مثلا دراسة انتصار الطرمان،(2024). (مدى تضمين كتب التربية الإسلامية للمرحلة الأساسية في الأردن لمهارات التفكير الناقد والتفكير الإبداعي). رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة مؤتة. ومنها دراسة آية الشوابكة، (2023). (صورة المرأة في كتب التربية الإسلامية المطورة في الأردن: دراسة تحليلية،) رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الطفيلة التقنية. ومنها دراسة أمل المومني، 2023). (درجة تضمين كتب التربية الإسلامية المطورة للمرحلة الأساسية في الأردن للمعايير الصحية.) رسالة ماجستير غير منشورة، جامعه الحسين بن طلال. ومنها دراسة محمد الصرايرة وهي رسالة ماجستير في جامعة مؤتة (2022) بعنوان (مدى تضمين كتب التربية الإسلامية لمهارات القرن الحادي والعشرين).
وقد بينت هذه الدراسات الجوانب الإيجابية الكبيرة التي احتوتها المناهج المطورة، كما أشارت إلى جوانب يجب تطويرها وتحسينها.
والمركز الوطني لتطوير المناهج يرحب بهذه الدراسات الجادة ويأمل أن تستمر وتتطور وتتعدد لما فيه من خدمة كبيرة لمناهجنا.
ولكن يلاحظ على بعض الدراسات التي أجريت حول كتب التربية الإسلامية أنها تقوم باختيار عدد محدود من البيانات لتأكيد فرضيات مسبقة، كالقيام بتقصي الجوانب التي يعتقد صاحبها أنها سلبية، دون الإشارة إلى الإيجابيات؛ وهذا من شانه أن يقدح في مصداقية الدراسة وموضوعيتها، ويضع علامات استفهام كبيرة حول النوايا المقصودة من هذه الدراسات غير الموضوعية .
ثالثا: تنطلق بعض هذه الدراسات من عقلية المؤامرة، وكأن القائمين على إعداد هذه المناهج يسعون إلى تخريب أجيال الأمة وتدميرها وتنفيذ مخططات أجنبية تملى عليهم. وهنا لا بد من التأكيد أن الكتب المدرسية المطورة محكومة بالإطار العام للمناهج الأردنية المستمد من الدستور الأردني وقانون وزارة التربية والتعليم الذي أكد في مادته الثالثة أن فلسفة التربية في الأردن تنبثق من الدستور الأردني، وتتمثل مجموعة من الأسس منها:
1- الإيمان بالله والمثل العليا للأمة العربية.
2- وحدة الأمة العربية وحريتها وشخصيتها في الوطن العربي الموحد المتكامل.
3- المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي والشعب الأردني جزء من الأمة العربية.
4- عروبة فلسطين وجميع الأجزاء المغتصبة من الوطن العربي والعمل على استردادها.
وعليه، فإن فرق التأليف والتطوير محكومة بهذه الأسس وتعمل من خلالها.
رابعا: إن المركز الوطني لتطوير المناهج جاء بإرادة ملكية سامية ويعين رئيسه مجلسه الأعلى أيضا بإرادة ملكية سامية، ومن ضمن أعضاء مجلسه معالي وزير التربية والتعليم. والمركز لم يصادر اختصاص وزارة التربية والتعليم بل يعمل بالتنسيق معها. وإن كل مخرجات ومنتجات المركز وكتبه لا تعتمد ولا تطبق في الميدان لا بقرار من مجلس التربية والتعليم الذي يرأسه وزير التربية ومن أعضائه وزير والأوقاف والمفتي العام للمملكة، علما بأن هذه المقررات لا تصل لمجلس التربية إلا بعد مروها بعدة لجان من متخصصين من المعلمين والمشرفين والخبراء وأعضاء المجلس التنفيذي في المركز الوطني، والمجلس الأعلى في المركز الوطني، ومديرية المناهج في وزارة التربية، ولجنة الإنسانيات في مجلس التربية ويرأسها معالي وزير الأوقاف ومن أعضائها المفتي العام للمملكة، فهل يفترض بعضهم أن كل هؤلاء يتآمرون على أجيالنا وهم وحدهم المؤتمنون؟!.
خامسا: يخلط بعض الدارسين بين المنهاج والكتاب الدراسي، فبعضهم يفهم المنهاج أنه المقرر الدراسي الذي يدرسه الطالب من بداية العام الدراسي إلى نهايته ويقوم الطالب بحفظه والاختبار به.
ولكن المنهاج هو مجموع ما يعد لتطوير شخصية الطالب من المعلومات، والقيم، والسلوكيات، والمهارات التي يجب اختيارها جيداً وترتيبها بشكل يتناسب مع المرحلة العمرية والتعليمية.
ويشمل المنهاج الفلسفة والأهداف وما ينبثق عنها من إطار عام للعملية التعليمية، وإطار خاص لكل مقرر دراسي. وما ينبثق عن ذلك من كتب تعليمية، وأنشطة طلابية.
وعليه، فالمنهاج هو مجموعة الخبرات والأنشطة التي تقدمها المدرسة للمتعلمين داخلها وخارجها ويقصد بها مساعدتهم على النمو الشامل المتكامل، الذي يؤدي إلى تعديل سلوكهم ويضمن تفاعلهم مع بيئتهم ومجتمعهم، ويجعلهم يبتكرون حلولاً مناسبة لما يواجههم من مشكلات.
وهو خارطة طريق أو دســتور تسير عليه العملية التعليمية التعلمية، فهو يرســم القواعد الأساسية لها، والمنطلقات التي تنطلق منها، والكيفيــة التي يجب التعامل فيها مع الطلبة، وماذا يتعلمون، وكيف يتعلمون، ولماذا يتعلمــون، وكيف نعرف أنهم تعلموا، وما صلة تعلمهم بالواقع الذي يعيشونه، والمجتمع الذي ينتمون إليه، والثقافة التي يتقاسمون مفرداتها، والتطلعات التي يهدفون إلى تحقيقها في المستقبل.
فمن يريد دراسة المناهج عليه أن يأخذ بالاعتبار كل هذه المواد وليس مجرد ما هو موجود في الكتب المدرسية.
سادسا: اعتمدت المناهج المطورة على الطريقة التكاملية بين المقررات الدراسية، التي يكمل بعضها بعضا، فالقضية الفلسطينية مثلا – وهي قضية محورية وحاضرة بقوة في مناهجنا المطورة – نجدها مبثوثة بطريقة تكاملية في كتب التربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية واللغة العربية، بعضها يكمل بعضا. وقد يكون لنا بحث آخر في هذه المسألة وكيف تناولتها الكتب المطورة في المباحث المختلفة. وعليه، فلا يحكم عليها وعلى حضورها من خلال الاطلاع على مبحث واحد. والأمر نفسه ينطبق على كثير من المعاني الوطنية والاجتماعية والجهاد وأعلام الأمة وغير ذلك.