عروبة الإخباري –
منذ عقود، تتميز السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط بثبات نسبي، حيث تواصل الولايات المتحدة تبني سياسات ثابتة تجاه حلفائها في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بدعمها لإسرائيل. هذا الدعم المتواصل، الذي تجسد في مستويات عالية من التعاون العسكري والاقتصادي والدبلوماسي، يُعد واحداً من أبرز ملامح السياسة الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حتى مع تغير الإدارات الأميركية وتنوع توجهاتها، فإن المواقف الأميركية تجاه إسرائيل لم تتغير بشكل جوهري، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير الانتخابات الأميركية في المستقبل على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
الدعم الأميركي لإسرائيل: ثبات أم تغير؟
الولايات المتحدة تُعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجياً مهماً في منطقة الشرق الأوسط. العلاقة بين البلدين ليست مقتصرة على الدعم العسكري والمالي فحسب، بل تشمل أيضاً التعاون في مجالات أخرى مثل التكنولوجيا والأمن السيبراني والاستخبارات. كما أن الولايات المتحدة تعد إسرائيل بمثابة قاعدة عسكرية متقدمة في قلب المنطقة، مما يعزز من قدرتها على مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية، لا سيما من قبل إيران وحلفائها.
في ضوء هذه الأبعاد الاستراتيجية، يظل الدعم الأميركي لإسرائيل ثابتاً تقريباً بغض النظر عن الحزب الذي يتولى الرئاسة في واشنطن. فمنذ بداية التسعينات، كان من الواضح أن السياسة الأميركية تعتمد على دعم إسرائيل في مواجهة التحديات الإقليمية، وهو ما يبرر جزءاً كبيراً من استمرار التعاون العسكري والتقني. على الرغم من بعض المواقف الانتقادية التي قد تصدر أحياناً من بعض المسؤولين الأميركيين حيال السياسات الإسرائيلية، إلا أن هذا النقد غالباً ما يكون في نطاق التكتيك السياسي ولا يمس جوهر العلاقة بين البلدين.
الانتخابات الأميركية: هل تؤثر على السياسة تجاه الشرق الأوسط؟
ينظر بعض المحللين إلى الانتخابات الأميركية باعتبارها عاملاً يمكن أن يغير مجريات السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، إلا أن التحولات الجوهرية في هذه السياسة تبدو غير مرجحة. سواء كانت الانتخابات تفضي إلى فوز مرشح من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، فإن السياسات الكبرى المتعلقة بالشرق الأوسط غالباً ما تظل ثابتة، حيث تبقى المصالح الأميركية الإستراتيجية في المنطقة كما هي.
من المتوقع أن تكون التغييرات التي قد تحدث نتيجة للانتخابات الأميركية هي تغييرات تكتيكية وليست هيكلية. قد تتبنى الإدارة الجديدة مواقف دبلوماسية مختلفة أو تحاول إعادة توازن في علاقاتها مع بعض الدول العربية أو إيران، ولكن تبقى الأسس الإستراتيجية للعلاقة الأميركية مع إسرائيل كما هي. الانتخابات قد تشهد أيضاً تعبيراً عن بعض التحفظات إزاء السياسات الإسرائيلية من قبل مرشحين معينين، خاصة في الحزب الديمقراطي، ولكن تلك التصريحات عادة ما تكون أدوات انتخابية لتلبية بعض المطالب الداخلية، بينما تظل السياسة الخارجية ثابتة.
إسرائيل كحليف استراتيجي في ظل التحديات الإقليمية
تواجه إسرائيل تحديات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط المعقدة، خاصة في ما يتعلق بالموقف الإيراني. البرنامج النووي الإيراني ومجموعة من الأنشطة العسكرية الإيرانية في المنطقة تشكل تهديداً مباشراً للأمن الإسرائيلي، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل. إلى جانب ذلك، فإن التوترات في سوريا والعراق واليمن تظل حاضرة على جدول الأعمال الأمني، مما يجعل الولايات المتحدة بحاجة إلى شريك قوي مثل إسرائيل في مواجهة هذه التحديات.
من جهة أخرى، فإن العلاقة بين إسرائيل وبعض دول المنطقة قد شهدت تطورات هامة في السنوات الأخيرة، مثل اتفاقات التطبيع التي أُبرمت مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب في إطار “اتفاقات أبراهام”. هذه الاتفاقات لا تعكس فقط تحولاً في السياسة الإسرائيلية، بل أيضاً تحولاً في موقف بعض الدول العربية التي كانت تتبنى مواقف أكثر انتقاداً لإسرائيل. الدعم الأميركي لهذه الاتفاقات كان حاسماً في تحقيق تلك الإنجازات، مما يظهر مدى التأثير الذي تملكه واشنطن في إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية.
التحديات المستقبلية: الاستمرار في السياسة الثابتة
رغم محاولات العديد من الإدارات الأميركية إيجاد حلول للقضية الفلسطينية، فإن الولايات المتحدة لم تتمكن من إحداث تحول جذري في معادلة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كانت العديد من المبادرات الأميركية، مثل خطة “صفقة القرن” التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب، تهدف إلى إيجاد حل دائم للنزاع، لكن هذه المبادرات لم تحقق النتائج المرجوة. في الواقع، كثيراً ما أثبتت السياسات الأميركية أن تأثيرها محدود عندما يتعلق الأمر بتغيير الواقع على الأرض، خصوصاً في ظل التصلب السياسي في إسرائيل وصعوبة التوصل إلى تسوية مرضية لجميع الأطراف.
من غير المرجح أن تغيّر الانتخابات الأميركية من جوهر السياسة الأميركية في المنطقة، حيث يبقى دعم إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات واشنطن في الشرق الأوسط. حتى في حال حدوث تغيير في الإدارة الأميركية، فإن المصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية، إضافة إلى التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل، ستظل عاملاً رئيسياً في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشرق الأوسط.
الانتخابات الأميركية قد تُحدث تغييرات في بعض جوانب السياسة الداخلية الأميركية أو في بعض التكتيكات الدبلوماسية، لكن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط تظل ثابتة في جوهرها. على الرغم من التحولات السياسية التي قد تطرأ على الإدارة الأميركية، يبقى دعم إسرائيل على رأس أولويات السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة.