لا فرق بين «هاريس» و»ترامب» عندما يتعلق الأمر بدعم الكيان الصهيوني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، فهو خط ثابت تشترك فيه الإدارات الأميركية المتعاقبة، ويشكل جزءاً من نمط متكرر كامن في البنية الأميركية وتاريخها. وقد يختلف الدعم في درجته فقط؛ فإما الانحياز المُطلق، وإما الانحياز بقدر محسوب وفقاً للمصلحة الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وليس لأجل تحقيق قيم العدالة والسلام ونصرة المظلومين.
ولا توقعات إيجابية في عهد الرئيس الأميركي القادم؛ فالفائز في الانتخابات الرئاسية سيحمل معه تركة تاريخية يزيد عمرها على القرن في تثبيت ركائز الكيان الصهيوني منذ ما قبل عام 1948 بتمويل استيطان «اليشوف» الزراعي في أرض فلسطين المحتلة، وترسيخه لاحقاً بمعاول عسكرية واقتصادية وسياسية أسهمت في تهجير الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم واستلاب حقوقهم.
وطوال الوقت؛ لم تكن الإدارات الأميركية تملك رؤية واضحة لحل الصراع العربي- الإسرائيلي، وإنما إدارته فقط. وهكذا ستفعل الإدارة المُنتخبة في المرحلة القادمة، مع التركيز على مهمة طمس مفاهيم المقاومة واستئصال ثقافتها، وضرب بنيتها التحتية، بخاصة في فلسطين ولبنان، إزاء القلق والتوجس منها بعدما استطاعت، من خلال عملية «طوفان الأقصى» وجبهات الإسناد، تغيير معادلة الخلل القائم في توازن القوى بين القوة المُستعمِرة والشعب المناضل للتحرر وتقرير المصير.
وليس مستبعداً تكثيف مساعي إقحام الجسم الصهيوني الغريب في هيكلية الدول العربية والإسلامية توطئة لتبوؤه سدة الزعامة و»الدولة» المركز في المنطقة.
يسهم التحالف الأميركي – الصهيوني في اختلال موازين القوى بين العرب والاحتلال لصالح الأخير، مقابل خدمة مصالح واشنطن بالمنطقة. وهو مسار اختطه رؤساء الولايات المتحدة، باختلاف انتمائهم الحزبي، فكان الديمقراطي هاري ترومان (1945 – 1953) أول من اعترف بالكيان الصهيوني، وأسهب الجمهوري دوايت إيزنهاور (1953 – 1961) بدعم الاحتلال عسكرياً، وجدد الديمقراطي جون كيندي (1961 – 1963) التزام إدارته بدعم أمنه حال تعرضه «لهجوم عربي» قرابة 19 مرة.
فيما تكرس «الاحتضان» الأميركي للاحتلال خلال حربي حزيران 1967 وأكتوبر 1973 في عهدي الديمقراطي ليندون جونسون (1963 – 1969) والجمهوري ريتشارد نيكسون (1969 – 1974)، وتعمق برئاسة الديمقراطي جيمي كارتر (1977 – 1981) عبر معاقبة الشركات الملتزمة بالمقاطعة العربية للاحتلال وتأسيس لجنة رئاسية «للهولوكست»، المزعوم، وإدانة اتهام اليهود باللاسامية، ومن ثم تحويل المساعدات السنوية للاحتلال إلى هبة بقرار الجمهوري رونالد ريغان (1981 – 1989)، أسوة بالجمهوري جورج بوش الأب (1989 – 1993) الذي لم تربطه علاقة ودية مع الليكود الحاكم والدوائر اليهودية الأميركية، إلا أنه يعد من أكثر الرؤساء خدمة للمصلحة الإسرائيلية.
وتغلغلت الصهيونية في عهد الديمقراطي بيل كلينتون (1993 – 2001)، بتعيين عشرة قياديين صهاينة في حكومته وتوزيع عشرات آخرين بمناصب حساسة داخل إدارته، بما يفوق نسبتهم في المجتمع الأميركي، أسوة بإدارة جورج بوش الابن (2001 – 2009) بدون إغفال دور أكثر أجنحة اليمين الأميركي تطرفاً في الحزب الجمهوري، الذي وصل للسلطة عام 2000 برؤية مُنحازة للاحتلال ومنحه ضوءاً أخضر للقضاء على المقاومة الفلسطينية.
ورغم توتر العلاقة الثنائية في عهد الديمقراطي باراك أوباما (2009 – 2017) والود المفقود مع «نتنياهو»، ولكنه اكتفى بيانات عنيفة اللهجة فارغة المفعول. فيما وصل الدعم المطلق للاحتلال مع الجمهوري دونالد ترامب (2017 – 2021) بنقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة ووقف دعم «الأونروا» وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وكلل الديمقراطي جو بايدن (2021 – 2024) العلاقة الثنائية بتزويد الاحتلال أسلحة استباحة الدم الفلسطيني وتدمير غزة وتهجير سكانها، فيما سيُكمل خلفه ما قد بدأه، وما نهج عليه أسلافه، ولكهنم لو اجتمعوا جميعاً على النيل من إرادة الشعب الفلسطيني وصمود المقاومة، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.