عروبة الإخباري – كتب – اشرف محمد حسن
الكثيرون في شتى انحاء العالم ينظرون الى الانتخابات الامريكية وكأنها هي من سيحدد شكل العالم في المرحلة المقبلة دون فعل شيء لإنقاذ ما تبقى من شكل النظام العالمي ان انقاذ انسانيتهم وذلك بوقف العدوان الصهيوامريكي على قطاع غزة ولبنان وبشكل فوري ، تذكرني هذه الحالة بمسرحية عالمية بعنوان “في انتظار غودو” وهي من تأليف الكاتب الإيرلندي “صموئيل بيكيت”، نُشرت أول مرةٍ في عام 1952م باللّغة الفرنسية وتتكون من فصلين فقط، يبلغ عدد صفحاتها حوالي 180 صفحة تدور المسرحية حول “فلاديمير” و”إستراجون” المعدمين والمشردين، إذ تبدأ المسرحية وهما يقفان في وسط أرض جرداء على قارعة طريق قُرب شجرة عارية إلا من بعض الوريقات، وكانا ينتظران شخصًا يُدعى لمدة يومين كاملين أملًا في أن يأتي “غودو” ويخلصهما من حالة البؤس والفقر واليأس والظلم من مجتمعهم التي يعيشانها وكل من “فلاديمير” و”إستراجون” لا يعرفان “غودو” ولا يعرفان أين ومتى سيلتقيان به، ولا يعرفانه أصلًا، تُمثل هذه المسرحية حالة الانتظار التي يعيش فيها الإنسان طوال حياته في انتظار المخلص آملا أن تتحقق أحلامه ومساعيه، يُقرّرا أخيرًا وبعد حالة اليأس التي حلت بهمان بعد مدة طويلة من الزمن أن يشنقا نفسيهما باستخدام حزام بنطال “إستراجون”، ولكنَّ الحزام يكون ضعيفًا وينقطع، فيتفقان على إحضار حبل متين في اليوم التالي إذا لم يأتِ “غودو” وينقذهما من تلك الحالة، وقد عقدا العزم على الانتحار، اوالمغادرة عندما يحل الليل، ولكنهما رغم ذلك لا يبرحان مكانهما ويبقيان في انتظار “غودو” وتنتهي المسرحية ولا يأتي “غودو” .
وتطرح المسرحية مفهوم الهدف من الحياة عبر الصراع القائم بين شخصياتها ولا احد سيأتي لمساعدة الناس لتغيير حياتها او واقعهاً ان فرض عليها وان لم يغيروه بنفسهم والا.. سيبقون في حالة انتظار مدى الحياة..!
هذا ما تحاول الإدارة الصهيوامريكية ترويجه عالمياً لاعطاء المزيد من الوقت لرئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو لتنفيذ ما يستطيع من جرائم ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والشعب اللبناني وغيرهم ان لزم الامر وتحقيق ما يستطيع تحقيقه بالقوة وبالبلطجة ان بالإضافة الى مساعدة الكيان الصهيوني في التنصل من اية معاهدات او التزامات تجاه الشعب الفلسطيني والعربي بل وحتى المجتمع الدولي كون انه لم يعد بحاجة الى منظمات دولية ويكفيه دعم وحماية الولايات المتحدة الامريكية وباقي الدول الاستعمارية المتصهينة حتى بعد ان ضرب الكيان الصهيوني بعرض الحائط بكافة المعاهدات ولاعراف والمواثيق والقوانين الدولية والإنسانية وكان سفير الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة جلعاد أردان سابقاً بعد أن تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة بأغلبية 143 صوتًا، حيث قام أمام الجميع بتمزيق ميثاق المنظمة الأممية في خطوة لتحدي العالم آنذاك وقد نشر السفير كلمته على يوتيوب، في حين أثار تصرفه ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اجتماع المنظمة الأممية بطريقة لا تتصل بالدبلوماسية من أي جانب بل تتفق تماماً مع المصطلح الشعبي الأردني الزعرنة والمعروفة عربياً ب (البلطجة) فهو ويعد تصرفه المهين للمجتمع الدولي يعد بمثابة اعلان انسحاب الكيان من الأمم المتحدة بل ان الامر وصل الى تهديد كافة منظمات وهيئات المجتمع الدولي كاستهداف قوات اليونيفيل في لبنان بالإضافة الى موافقة الكنيست الصهيوني، مؤخراً على مشروع قانون يحظر على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) العمل في داخل الأراضي المحتلة والذي يعد ايضاً خرقاً آخر لهذه المعاهدات والمواثيق وايضاً استهداف فريق المطبخ العالمي وغيرها من المنظمات الدولية دون حساب وفي شهر حزيران الماضي أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية كما يفرض عقوبات على المحكمة إذا حققت أو حاكمت أشخاصا محميين من واشنطن أو حلفائها جاء ذلك بعد إصدار المحكمة أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو ووزير دفاعه وآخرين وفي خطوة متناقضة تماماً مع غطرسة الكيان الصهيوني بتنصله من اية التزامات تجاه هيئة الأمم المتحدة فقد أعلن 30 مشرعا أميركيا من الحزب الجمهوري تقديم مشروع قانون من شأنه قطع التمويل الأميركي للأمم المتحدة وذلك في حال اتخذت إجراءات لتغيير عضوية الكيان الصهيوني في المنظمة الأممية ووكالاتها التي تطرد أو تخفض أو تعلق أو تقيد مشاركة الكيان الصهيوني وعضويته بأي شكل من الأشكال.
المرشحان الى الرئاسة الامريكية لطالما سعيا الى استرضاء الصهاينة وتقديم الدعم والحماية للكيان الصهيوني الا انهما يعدان بالعمل على وقف الحرب في المنطقة فهل يستطيع أي منهم القيام بذلك حقاً..؟!؟! نتذكر هنا مكالمة هاتفية تم الإعلان عنها بين الرئيس جو بايدن والنتن ياهو على خلفية استهداف قوات الاحتلال لفريق المطبخ العالمي حيث انفعل بايدن على النتن ياهو طالباً منه خفض التصعيد في غزة آنذاك وعلى اثر هذه المكالمة الهاتفية الامر الذي أدى لانتقادات واسعة داخل مجلس النواب الأمريكي حتى ان الامر وصل الى اصدار مذكرة وعقد جلسة خاصة لتوبيخ للرئيس بايدن بسبب ذلك الصراخ ليقوم النتن ياهو بالاعداد لزيارته الاستعراضية الشهيرة الى الكونجرس الأمريكي والخطاب فيه بالإضافة الى الدعم العسكري والاقتصادي الغير محدود للكيان الصهيوني وتوفير الحماية السياسية وحتى العسكرية والتي أدت الى تكثيف وجودها في المنطقة تماماً ككلاب الحراسة وبالرغم من تصريحات الإدارة الامريكية بضرورة خفض التصعيد وتأكيدها عدم رغبتها توسيع الحرب الا ان الكيان الصهيوني قد سعى وبشكل متسارع لتوسيعها وادى ذلك الى الانصياع الكامل للإدارة الامريكية لرغبات الكيان فقد ذكر موقع واللا الصهيوني ان وزير الدفاع الكيان يوآف غالانت أجرى قبل دقائق من تفجير الأجهزة في لبنان اتصالا هاتفيا بنظيره الأميركي ابلغ خلالهأ أوستن آنذاك حيث قال أن الكيان سينفذ عملية صعبة في لبنان قريبا وانه رفض تزويد أوستن بمزيد من التفاصيل بشأن الهدف وكيفية التنفيذ حسب ما تم تسريبه لوسائل الاعلام وقبل ذلك بيومين وخلال زيارة استعراضية للمبعوث الأمريكي للمنطقة آموس هوكشتاين والتي قيل عنها ايضاً بانها تأتي في اطار محاولة خفض التصعيد في المنطقة وعدم توسيع دائرة الحرب ولم تكن في الواقع الا لذر الرماد في العيون وهي جزء من خطة الخداع الأمريكي بهدف إعطاء المزيد من الوقت لترتيب الوضع الدفاعي عن الكيان الصهيوني حيث قال هوكشتاين لوزير الدفاع االصهيوني يوآف غالانت إن “معركة واسعة ضد لبنان لن تعيد الأسرى وستعرض الكيان الصهيوني للخطر .
وبالرغم مما قدمه المرشح دونالد ترامب للكيان الصهيوني خلال فترة رئاسته من خلال ما وصف بصفقة القرن الا ان الصهاينة قد تخلوا عنه خلال الانتخابات السابقة كونهم حصلوا على اقصى ما يمكن من الفوائد ولم يعد لديه ما يقدمه في ذلك الوقت الامر الذي دفع بهم الى ترجيح كفة بايدن لتحقيق المزيد من المكاسب والتي تمثلت بشقين وهما محاولة دمج الكيان في المنطقة من خلال عمليات التطبيع مع الدول العربية مثل السودان وكان من المقرر توقيع المزيد من الدول العربية لمثل هذه المعاهدات لولا اندلاع معركة طوفان الأقصى في 7/أكتوبر/تشرين الأول/2023 م والتي بدورها أدت الى عرقلتها اما الشق الثاني فتمثل بالدفاع المستميت عن الكيان الصهيوني خلال حرب الإبادة الجماعية وعدوانه على الشعب الفلسطيني مما جعل ترامب يحاول استرضاء الكيان الصهيوني وتقديم المزيد من الاغراءات لهذا الغرض .
الخلاصة بان الرئيس الأمريكي سواء كان ديمقراطي او جمهوري يبقى امام رغبة الكيان الصهيوني مجرد “طرطور” فهو لا يملك ان يغير شيء دون موافقة الكيان الصهيوني وما نشاهده من محاولات لاطالة امد الحرب بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية الا مضيعة للوقت تماماً كتسويق أفكار مسرحية “في انتظار غودو(الطرطور الجديد) ” فهم من لا امان.. ولا عهد لهم..!
لا عهد لهم .. في انتظار غودو “الطرطور الجديد”..!
12