في مقدمة القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررًا بتداعيات الحرب على غزة، يأتي القطاع السياحي في الأردن، والذي يُعدّ في مقدمة روافع نمو الاقتصاد الوطني ومحركاته، خصوصًا وهو يشكل نحو 14.6 % من الناتج المحلي الإجمالي.
لذلك، فقد أثّر كثيرًا تراجع هذا القطاع على إيرادات الخزينة، وزاد من عجز الموازنة، وأثّر كذلك على نسب البطالة، خصوصًا وأنه قطاع يشغّل نحو (40 ألفًا) بوظائف دائمة مباشرة، وعشرات آلاف الوظائف غير المباشرة.
لذلك، فمن المهم جدًّا البحث عن سُبل لإنقاذ هذا القطاع، أو على الأقل التخفيف من خسائره بسبب الظروف الجيوسياسية في الإقليم. وإذا كان من البدائل تشجيع السياحة الداخلية من خلال تنويع وتوسيع برنامج «أردنّا جنّا»، إلّا أن السياحة الداخلية لوحدها لن تعوّض تراجع إيرادات القطاع السياحي ككل. لكن هناك أنواع من السياحة لا تتوقف، ولا تنقطع، لعدم ارتباطها بالظروف أو الاضطرابات الجيوسياسية، كونها تتعلق بصحة الإنسان، ألا وهي «السياحة العلاجية»، والتي كانت قبل سنوات قليلة واحدة من أهم روافع القطاع السياحي، حيث بلغ حجم إيرادات «السياحة العلاجية» حينذاك نحو (2 مليار دولار).
السياحة العلاجية في الأردن كانت قبل سنوات قليلة ناجحة للغاية، قبل أن تتراجع لوجود معوقات، ولاحتدام المنافسة الإقليمية في قطاع السياحة العلاجية، الأمر الذي بات يحتاج إلى إعادة حسابات، وإلى قرارات تمكّن قطاع السياحة العلاجية من المنافسة وجذب مزيد من الباحثين عن السياحة العلاجية والاستشفائية والاستجمامية والتأملية.. وغيرها.
يجب استثمار مميزات وعوامل نجاح السياحة العلاجية في الأردن وفي مقدمتها:
1. المكانة الطبية المميزة والسمعة الطيبة التي يحظى بها القطاع الطبي والصحي في الأردن.
2. السمعة الطيبة للكادرين الطبي والتمريضي (30 ألف طبيب)، كما تُعدّ نسب الأطباء والممرضين لكل ألف نسمة من الأعلى عالميًّا نسبةً لكل 10 آلاف نسمة في الأردن.
3. يمتلك القطاع الطبي في الأردن بنية تحتية طبية متطورة، مع توفر مستشفيات ومراكز طبية متخصصة تتمتع باعتمادات دولية وسمعة عالمية (121 مستشفى منها 71 مستشفى خاصًّا، وجميعها توفر نحو 16 ألف سرير).
ما هو المطلوب:
لإعادة تنشيط السياحة العلاجية، لا بد من الإجراءات التالية:
1. تسهيل الإجراءات للقادمين للعلاج والاستشفاء من الخارج.
2. تسيير مزيد من رحلات الملكية الأردنية إلى الدول المستهدفة، وفي ذلك مصلحة مشتركة للقطاع الصحي وللناقل الوطني وللوطن.
3. تفعيل دور سفاراتنا في الخارج بهذا الخصوص تحديدًا.
4. إزالة أية معوقات أمام هذا القطاع لتعزيز تنافسيته، وفي مقدمة ذلك تخفيض الكلف التشغيلية، وفي مقدمتها كلف الطاقة والكهرباء وكلف العلاج.
5. التركيز على دول هي الأكثر إقبالًا على السياحة العلاجية والاستشفائية في الأردن، وفي مقدمتها: (المملكة العربية السعودية – ليبيا – اليمن – سوريا – ومصر)، وتقديم جميع التسهيلات اللازمة لاستقطاب قاصدي السياحة العلاجية من مختلف الدول.
6. تقديم حوافز للمستشفيات الخاصة تحديدًا، وتسهيلات تمكّنها من المنافسة التي باتت محتدمة في الإقليم، حيث تُعدّ «الأسعار» عاملًا حاسمًا باختيار وجهة السائح لغرض العلاج. وتخفيض الأسعار ضروري ليس فقط على صعيد كلف علاج المرضى، بل أيضًا على كلف إقامة المرافقين.
7. مزيد من الحملات الترويجية لتسويق المناطق السياحية العلاجية والاستشفائية المؤهلة، وخصوصًا منطقة البحر الميت، وحمامات ماعين، وكذلك مدينة البترا ووادي رم.
8. تفعيل استراتيجية السياحة الاستشفائية.
9. إعادة دراسة التأشيرات والجنسيات المقيدة بما يسهّل استقطاب أعداد أكبر من قاصدي السياحة العلاجية والاستشفائية.
أفضل مثال للدلالة على أهمية ما نقول هو السياحة العلاجية الوافدة من ليبيا الشقيقة، والتي كان الأردن سبّاقًا وفي مقدمة الدول التي فتحت أبوابها لاستقبال المرضى من ليبيا الشقيقة. وقد شكّلت «فاتورة العلاج» يومذاك رقمًا مهمًّا في إيرادات القطاع الصحي الخاص وفي إيرادات الخزينة. لكنها توقفت لعدة أسباب -لا يتّسع المقام للاستطراد في تفاصيلها- لكن الأهم أنه قد تمّ إعادة دراسة وتقييم التجربة، والعودة إلى المكانة التفضيلية التي يحظى بها الأردن لدى الأشقاء في ليبيا. وقد تم الإعلان منذ أيام قليلة عن عودة طيران الملكية الأردنية إلى ليبيا بعد توقف دام نحو 10 سنوات. وعودة الملكية بالتأكيد سيكون لها عظيم الأثر في عودة الأشقاء الليبيين للعلاج في المملكة، إضافة إلى قرار رئاسة الوزراء المهم للغاية والمتمثل بالسماح بدخول المرضى الليبيين دون الحاجة لموافقة مسبقة.
*باختصار:
إعادة تنشيط «السياحة العلاجية» يحتاج إلى مثل هذه القرارات الجريئة والمباشرة التي تزيل البيروقراطية، وتساهم في تحريك وتنشيط عجلة الاقتصاد بما يرفع
معدلات النمو، ويخلق فرص العمل، ويوفر مزيدًا من العملات الأجنبية.
السياحة العلاجية والقرارات «الجريئة»* عوني الداوود
7