عروبة الإخباري – نزهة عزيزي
دهاء النساء عبر التاريخ كان محط إعجاب الكثيرين في الأدب العالمي والعربي على حد سواء، فالنساء، رغم القيود الاجتماعية والسياسية المفروضة عليهن في كثير من الأوقات، أثبتن عبر العصور أن لديهن ذكاءً استثنائيًا وقدرة على التأقلم واستخدام العقل بطرق مبتكرة لتجاوز التحديات.
ولادة بنت المستكفي، نموذج للذكاء والدهاء في حضارة الأندلس في حضارة الأندلس القديمة، برزت ولادة بنت المستكفي كشخصية قوية وذكية. ولادة كانت ابنة الخليفة المستكفي بالله، وولدت في بداية القرن الحادي عشر الميلادي في قرطبة، وهي فترة ازدهار ثقافي وعلمي كبير في الأندلس. كانت ولادة شاعرة ومثقفة، وكانت من أبرز النساء اللواتي تحدين الأعراف الاجتماعية السائدة في تلك الحقبة. ما يميز ولادة ليس فقط قدرتها على كتابة الشعر أو المعرفة العميقة التي امتلكتها، بل دهاؤها في كيفية التعامل مع المجتمع الذكوري والبيئة السياسية المعقدة التي عاشت فيها. كانت قادرة على استخدام علاقاتها الاجتماعية والذكاء العاطفي لتحقيق تأثير كبير على محيطها. كانت تفتح صالوناً أدبياً يجتمع فيه كبار الأدباء والشعراء، وكانت تتحاور معهم على قدم المساواة، وهو أمر نادر للنساء في تلك الحقبة.وقد كان دهاء ولادة جليًا في علاقتها الشهيرة مع ابن زيدون، الشاعر البارز في الأندلس. كانت قادرة على إدارة العلاقة معه بمهارة، وكتبت له العديد من القصائد التي كانت تحمل طابع التحدي والذكاء العاطفي. ورغم الصراعات التي نشأت بينهما، إلا أن ولادة استطاعت أن تترك بصمة واضحة في الأدب الأندلسي بفضل دهائها الأدبي والعاطفي.
في الأدب العالمي الحديث، نجد العديد من النماذج التي تعكس دهاء النساء وذكاءهن. على سبيل المثال، شخصية “سكارليت أوهارا” في رواية “ذهب مع الريح” لمارغريت ميتشل هي مثال واضح على امرأة تستخدم ذكاءها ودهاءها للتغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية في فترة الحرب الأهلية الأمريكية. سكارليت لم تكن قوية جسديًا بقدر ما كانت ذكية في استغلال الفرص والتكيف مع الظروف المتغيرة من حولها.من الشخصيات الأخرى التي تجسد الدهاء النسائي شخصية “ليزبيث سالاندر” في رواية “الفتاة ذات وشم التنين” للكاتب السويدي ستيغ لارسن. ليزبيث تستخدم ذكاءها التكنولوجي والاجتماعي للتغلب على العقبات الكثيرة في حياتها، وهي مثال حديث على امرأة تجمع بين الذكاء الحاد والدهاء لتحقيق العدالة والتغلب على التحديات.
الادلة التاريخية عن دهاء النساء لا تعد ولا تحصى، ، لم يكتفين بتحدي الأدوار التقليدية المفروضة عليهن، بل كنّ قادرات على التأثير بشكل عميق في مجتمعاتهن. سواء كانت ولادة بنت المستكفي في الأندلس القديمة أو سكارليت أوهارا وليزبيث سالاندر في الأدب الحديث، فإن هذه الشخصيات تعكس القدرات الاستثنائية التي تمتلكها النساء في التكيف مع التحديات والتأثير في الأحداث من حولهن.دهاء النساء ليس مجرد مهارة فردية، بل هو تعبير عن قدرة النساء على البقاء والتفوق في بيئات مليئة بالصعوبات. وهذا الدهاء، سواء في الأدب أو في الحياة الواقعية، يظل رمزًا لقوة النساء وحضورهن البارز عبر التاريخ.
المرأة العربية أثبتت على مر العصور قدرتها على الإبداع الأدبي، خاصة في مجالات الرواية والشعر، وقد برزت العديد من الأديبات العربيات، تتقدمهن نوال السعداوي فهي من أبرز الأديبات المصريات التي استخدمت دهاءها الفكري والروائي لطرح قضايا حساسة تتعلق بالمرأة وحقوقها. في روايات مثل “امرأة عند نقطة الصفر” و*”مذكرات طبيبة”*, تسلط السعداوي الضوء على الظلم الاجتماعي والجسدي الذي تعانيه المرأة في المجتمع الذكوري. نوال السعداوي، بجانب كونها كاتبة، كانت ناشطة حقوقية، واستطاعت من خلال قلمها توجيه النقد الحاد للبنى الاجتماعية والسياسية التي تحاصر المرأة.رضوى عاشور: تعد رضوى عاشور من الأديبات المصريات اللواتي برعن في مزج السرد التاريخي مع القضايا الإنسانية والاجتماعية. روايتها الشهيرة “ثلاثية غرناطة” تجسد دهاء روائي من خلال قدرة عاشور على رسم ملامح الأندلس في لحظة سقوطها، كما تظهر شخصية المرأة القوية التي تحاول الحفاظ على هويتها وثقافتها رغم الظروف القاسية. عاشور استخدمت دهاءها الأدبي لخلق توازن بين السرد التاريخي والشخصيات النسائية التي تعبر عن الإرادة والعزيمة.
أهداف سويف: كاتبة مصرية أخرى قدمت أعمالًا روائية متميزة مثل “خارطة الحب” التي تمزج فيها بين الثقافة الغربية والشرقية. سويف تمكنت من تصوير التوترات الاجتماعية والسياسية من خلال عدسة دهاء العلاقات الشخصية والنسائية، واستطاعت إيصال رسائل عميقة عن الهوية والانتماء والتحرر.
أما عن الأدب الجزائري الحديث فتحضرني ، آسيا جبار، مليكة مقدم ، و أحلام مستغانمي التي هي أشهر الأديبات الجزائريات حاليا، والتي استخدمت دهاءها الروائي لإيصال تجارب المرأة الجزائرية عبر التاريخ والصراعات الاجتماعية والسياسية. روايات مثل “ذاكرة الجسد”, “عابر سرير”, و*”فوضى الحواس”* تستعرض مشاعر الحب، الفقدان، والتحولات السياسية بعد الحرب الجزائرية. مستغانمي جمعت بين الأسلوب الشعري والروائي لتعبر عن دهاء المرأة في التعامل مع الحب والسياسة والتغيرات الاجتماعية.فضيلة الفاروق: من أبرز الروائيات الجزائريات التي تناولت قضايا المرأة في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال. روايتها “تاء الخجل” تجسد قصة النساء اللاتي تعرضن للعنف والاعتداء في الحرب الجزائرية، وتكشف عن دهاء بطلاتها في التعافي والعودة إلى الحياة بعد تلك التجارب الصعبة. الفاروق تمكنت من خلق نص أدبي يمزج بين الواقعية القاسية وقوة الإرادة الأنثوية. أما ياسمينة صالح فقد قدمت أعمالاً مميزة مثل “بحر الصمت”, والتي تعالج فيها القضايا السياسية والاجتماعية في الجزائر بأسلوب روائي ذكي. تركز صالح على دهاء الشخصيات النسائية في مواجهة الظروف القمعية، وتبرز كيف يمكن للنساء التأقلم مع تلك الظروف والتغلب عليها بطرق مبتكرة.
الأديبات المصريات والجزائريات استطعن من خلال دهائهن الأدبي أن يسلطن الضوء على قضايا المرأة بطريقة تعكس نضوجهن الفكري والثقافي. النساء في هذه الروايات ليسوا مجرد ضحايا بل يمتلكن القدرة على التكيف والتفوق رغم الصعوبات. أدبهن يعد تعبيرًا عن دهاء المرأة في استخدام الأدب كأداة للتغيير الاجتماعي والسياسي.
سواء من خلال نوال السعداوي التي تحدت المفاهيم التقليدية للمرأة في المجتمع المصري أو أحلام مستغانمي التي عبرت عن ألم وحب المرأة الجزائرية عبر التاريخ، فإن الأدب كان وما زال ساحة مهمة لتجسيد دهاء المرأة في مواجهة التحديات وتحقيق الذات