يعتبر الفن أحد أهم وسائل التعبير عن الثقافة الإنسانية، حيث يعكس القيم والمعتقدات وطبيعة الحياة للشعوب عبر العصور، كما يرتبط الفن ارتباطًا وثيقًا بالآثار، إذ تمثل الآثار تجسيدًا ماديًا للفنون التي أبدعها الإنسان في الماضي.
ومن هذا المنطلق، تم دعوة الفنانة روان العدوان، المقيمة في سويسرا، لحضور معرض زيورخ الدولي 2024، وذلك للاطلاع على الأعمال المعروضة والتحضير لمشاركتها في المعرض العام المقبل.
وتجسد أعمال روان العدوان، التي تمتد لأكثر من عشرين عامًا، ارتباطًا عميقًا بالتراث الثقافي الأردني، حيث تستوحي اعمالها من الرسوم والنقوش الصفائية التي تعكس غنى هذا الإرث، إذ تؤمن أنّ فكرة ربط الآثار بالفن المعاصر تفتح آفاقًا جديدة لفهم التطورات الفنية والتقنية التي شهدتها الحضارات المختلفة، وكيف أثرت تلك الفنون على الهوية الثقافية لكل مجتمع.
وذكرت العدوان أنّ الدعوة قد وجهت لها لحضور معرض زيورخ الدولي من قبل القنصل الفخري لغواتيمالا في فرنسا البروفسور Sébastien Perrot-Minnot، وهو مدرس في إحدى الجامعات في فرنسا، وأستاذ الآثار وحاصل على درجة الدكتوراة من جامعة السوربون ومختص بعلوم الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا، حيث وجه الدعوة لها لحضور الافتتاح لغايات عرض أعمالها الفنية في المعرض الفني القادم في عام 2025، حيث اطلع على أعمالها المعروضة في قاعة غاليري الفنيق الفن القديم في جنيف، وارتأت إدارة المتحف تمديد فترة العرض لنهاية هذه السنة، حيث لاقى المعرض نجاحا واستقطابا للجمهور، كما أن هذا المتحف المصغر له فروع في نيويورك وبروكسل، حيث يعرض أكثر من إحدى وعشرين عملا فنيا نفذ بألوان الأكريلك ومواد مختلفة بأسلوب تجريدي رمزي فيه نوع من الفكاهة والمستوحاة من فن الصخور الصفائية.
وبحسب العدوان، فقد شارك في معرض زيورخ الدولي لعام 2024 مجموعة متنوعة من صالات العرض في كل من، لندن، اليابان، فرنسا، كندا،كوريا الجنوبيه،ايطاليا،المانيا، الصين، بولندا، التشيك وسويسرا.
وأكدت العدوان أنّ زيورخ تعد مركزا رائدا للفن المعاصر في أوروبا وموطنا لأكثر من 20 متحفًا وأكثر من 100 قاعة عرض فني. ومع أجوائها الخلابه ومركزها التجاري المهم وسهولة الوصول إليها، جذبت زيورخ زوارًا من جميع أنحاء العالم، مما جعلها موقعًا مثاليًا لهذا المعرض الفني المرموق.
وقالت العدوان لـ”الرأي»، على إثر هذه الدعوة، أنّ الفنون والآثار تعمل معًا على فهم التاريخ، وتسهم في الحفاظ على التراث الثقافي، مما يعزز من أهمية الفنون كجزء لا يتجزأ من الهوية الإنسانية والتاريخ المشترك للبشرية. وتقول إنّ مشاركتها في معرض زيورخ الدولي تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز هذا الربط بين الماضي والحاضر، وتسلط الضوء على الدور الحيوي الذي يلعبه الفن في تشكيل الوعي الثقافي والانتماء.
فقد عاد معرض الفن الدولي في زيورخ، الذي يُعتبر محورا مهما في مشهد الفن المعاصر منذ تأسيسه في عام 1999، من تشرين الأول، ليعرض أعمالًا فنية بأساليب متنوعة ومبتكرة، مستقطبا الفنانين من مختلف أنحاء العالم.
وفي قاعة زيورخ العريقة للمؤتمرات والمعارض، قدم المركز، كما تقول العدوان، سوقًا ديناميكيًا لأعمال الفنانين، الذي استقطب مقتني الأعمال الفنية وعشاق الفن ووسائل الإعلام المختلفة، حيث ضم أعمالًا لاكثر من 100 فنان.
ومن 11 إلى 13 تشرين الاول 2024، أتيحت للزوار الفرصة لاستكشاف مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية، بما في ذلك اللوحات، والمنحوتات، والتصوير الفوتوغرافي بالإضافة إلى التركيبات متعددة الوسائط. تم تصميم المعرض ليس فقط كمنصة لشراء وبيع الأعمال الفنية وإنما أيضًا كمنتدى للحوار وللتبادل الفكري الثقافي والاكتشاف. تفاعل الحضور مباشرة مع الفنانين، واكتسبوا رؤى جديدة، من خلال الاطلاع على أعمال الفنانين الإبداعية، حيث أن هناك قصة تتنظر اكتشافها في كل عمل. هذه الأعمال عرضت وكأنها تحاور كل مُشاهد حوارا شخصيا.
ورأت العدوان أنّ هذه كانت سمة مميزة لمعرض الفن الدولي في زيورخ، مما ساهم في خلق جو متناغم وبيئة خصبة لتبادل أفكار وحوارات ذات مغزى حول الفن المعاصر.
وتذكر العدوان من بين الفنانين البارزين الذين تم عرض أعمالهم في معرض هذا العام (يوري كاتانيا)الفنان والمصور الإيطالي المعاصر، حيث عكست أعماله ارتباط الفنان بالتصوير الفوتوغرافي، الفن المعاصر والتصميم، حيث استخدم مجموعة متنوعة من الوسائط والأساليب الفنيةالمختلفه، وتميز أسلوبه بمزيج من التقنيات الفوتوغرافية الرقمية المتناظره، حيث أن اسلوبه المتميز أثار علامة استفسار وحفز المشاهد على التفكير بماهية أعماله المبتكره التي لفتت انتباه الجمهور مما جعله شخصية بارزة في هذا المعرض.
وذكرت العدوان موهبة أخرى في المعرض هي (ميل ماتيوتش)، الفنان الشاب في مقتبل العمر والذي يبلغ الثامنة عشرة من عمره من برن، سويسرا، والذي حاورته العدوان شخصيا، ووجدت فيه حبا وشغفا عميقا للفن، والذي ينبىء عن موهبة لربما ستكتشف فيما بعد. فقد كانت كل ضربة من فرشاته تعبر عن عالمه الداخلي، حيث تعكس روحه بشغف الحياة، كما أنّ قدرته في التعبير عن التجارب والمشاعر الإنسانية في لوحاته أثرت على المشاهدين، حيث تجاوز حدود الرسم البحت، ورسم بأسلوب فن الشوارع أو الجرافيتي وكأن هناك حوارًا بينه وبين العالم من حوله، كانت أعماله شهادة حية على إبداعه وعلى وسعيه الدؤوب نحو الكمال الفني، دون التخلي عن أسلوبه العفوي، وتميزت أعماله بالطاقة والحركه، وعناصر من الموروث الشعبي المستوحاة من بيئته.
أما الفنان جوسلين أكوابا ماتيغنو، الرسام من غوادالوب فرنسا، فقد وُلد في عام 1961، حيث شارك بمجموعة من الأعمال الفنية والمستوحاة من روحانيات وثقافة المايا.
كما تطرح أعماله بحسب الفنانة العدوان تساؤلات عن أسرار الحياة وهوية الانسان أينما كان، إذ أن عناصر الأساطير وروحانيات الميسو أمريكية للسكان الأصليين بالإضافة الى التراث الثقافي قد الهمت أعماله الجديدة، داعيًا المشاهدين الى الغوص في عالم الغموض واللامعقول. فكانت أعماله منفذة بألوان الاكريلك، حيث يستخدم تقنية الطبقات التي ترمز إلى جوانب مختلفة من الوجود. تمثل الطبقة النهائية، التي غالبًا ما تكون باللون الأبيض أو الأسود، شخصيته الحلم «كيوكان» (من؟ أين؟ متى؟)، وهو مصطلح متعارف عليه بالمورث الشعبي، مما تدفعنا أعماله للتفكير في الهوية والوجود. كما تتميز أعماله بالأسلوب الرمزي التجريدي، حيث رموز طقوس المايا ترقص على أسطح لوحاته وكأنها ألغاز، تتنظر المشاهد الفطن أن يحل لغزها. لوحاته تلتقط «اللامرئي» وتتحدى المشاهدين للتفكير في ماهية وجودهم.
وأشارت الفنانة العدوان إلى جوسلين أكوابا ماتينيون، وهو قارئ مهم كما رأت ومؤلف يتعمق في أبحاثه حول الهندسة المقدسة، والأساطير الميسو أمريكية، وروحانية السكان الأمريكيين الأصليين، والأرقام الرمزية، وقوة أم الأرض، وما هو غير مرئي أو مكشوف لوعينا، بالإضافة إلى وهم العالم المرئي. كما يأخذنا ماتينيون إلى فضاء الرقة واللامعقول، حيث يستكشف العلاقات المعقدة بين العناصر المادية والروحية. ومن خلال أعماله، يسعى إلى توسيع آفاق الفهم البشري، مشجعًا المشاهدين على التفكير في المعاني العميقة وراء ما يرونه، مما يفتح أبوابًا جديدة للتأمل والتفكير.