عروبة الإخباري –
أغلب الأشقاء السوريين في الأردن لا يريدون العودة إلى سورية، وهذه هي الحقيقة الساطعة التي لا يريد كثيرون الاعتراف بها، بحيث ندور حول أنفسنا في هذا الملف الحساس.
إذا حاورت أي شقيق سوري، حول العودة الى سورية، يجيبك إن هذه استحالة لاعتبارات مختلفة، وانه يفضل البقاء في الأردن، او الهجرة الى بلد ثالث، من خلال الامم المتحدة، وعمليات اعادة التوطين، او الحصول على تأشيرات للانتقال الى بلد ثالث في اي قارة.
أجرت مؤسسة دولية العام الماضي دراسة حول اتجاهات السوريين في الأردن، وتبين ان 90 بالمائة من السوريين يفضلون الهجرة الى بلد ثالث، اذا كان لابد من مغادرة الأردن.
هذا يعني ان الاتجاه الغالب هو عدم العودة الى سورية، لاعتبارات امنية وسياسية وعسكرية، فأغلب السوريين الشباب مطلوبون لخدمة الجيش ولا يريدون العودة للخدمة وبالتالي لا تعود عائلاتهم، كما ان الاوضاع الاقتصادية المتردية جدا، تمنع اغلب السوريين من العودة واغلبهم ايضا بلا ممتلكات عقارية من بيوت او اراض، اضافة الى ان كل القصص التي تتدفق من سورية عبر من عادوا او اقاربهم في اماكن عيشهم داخل سورية، تثير قلقهم من العودة بسبب عمليات الاعتقال احيانا، او الابتزاز المالي، او التوريط في محاسبات على قضايا عادية جدا.
مناسبة هذا الكلام ما صدر عن زيارة وزير الخارجية ايمن الصفدي الى سورية، وما تطرق له الخبر الرسمي من تأكيد الرئيس الأسد بأن الحكومة السورية تولي أولوية لتأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين، مشيراً إلى التقدم الذي أحرزته الحكومة في هذا المجال، خصوصاً على الصعيدين التشريعي والقانوني، في الوقت الذي اتفق فيه الأردن وسورية في ختام الزيارة على مواصلة الحوار من اجل “العودة الطوعية” الى سورية، وتهيئة الظروف لهذه العودة.
نسبة تدفق السوريين من الأردن الى سورية، منخفضة جدا، مثلما ان نسبة اعادة التوطين في بلد ثالث منخفضة ايضا، وهنا تشير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأن 3162 لاجئاً سورياً غادروا الأردن خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 2024 للعودة إلى بلادهم، ومن اصل ملايين السوريين الذين غادروا سورية، تشير بيانات مفوضية اللاجئين إلى أن 19729 لاجئاً سورياً عادوا من الأردن ومصر ولبنان وتركيا والعراق إلى سورية هذا العام، وهذه ارقام منخفضة جدا، وربما تحسنت نسبة العائدين مؤخرا من لبنان فقط، بسبب ظروف الحرب التي اجبرت كثيرين على العودة الى سورية، التي تعد آمنة مقارنة بوضع لبنان.
كل صياغات الكلام عن ملف اللاجئين تشير الى “العودة الطوعية”، فلا دولة قادرة على اجبار السوريين على العودة القسرية تحت رقابة عواصم العالم، والمؤسسات الدولية، وللمفارقة هنا فإن العالم الذي سيحتج حال اتخاذ اجراءات لإجبار الاشقاء بالعودة، يتفرج ايضا على الدول المستضيفة وظروفها الاقتصادية، ويتخلى في كثير من الاحوال عن واجباته، بعد ان تحولت الازمة السورية الى ازمات محلية في الدول المستضيفة العربية والاجنبية، كما سيحتج ذات العالم الحر لو فرضت الدول المستضيفة اجراءات لتصعيب البقاء في الدولة المستضيفة مثل زيادة كلفة الدراسة او العلاج او فرض رسوم اقامات سنوية.
المؤلم هنا ان كثرة من السوريين ممن وصلوا الى اوروبا، يشعرون بندم كامل او جزئي، بسبب فروقات الثقافة، والاختلافات الدينية والاجتماعية بين سورية والمجتمعات الغربية، وتسمع عن سوريين حصلوا على جنسيات اجنبية، ثم سرعان ماغادروا الى دول جديدة هربا ببناتهم اولا، ثم بقية ابناء العائلة، في ظل المعايير الغربية التي تسمح بفرض قواعد غير معتادة على العائلة العربية وفقا لطريقة حياتها الشرقية ومعاييرها التي اعتادت عليها، وهذا يفسر ارتفاع نسبة الطلاق بين اللاجئين السوريين في اوروبا، او عمليات التدخل في تربية الابناء، واحيانا اخذ الابناء من عائلاتهم لاعتبارات معينة، يتم على اساسها تجريم الوالدين.
ازمة اللجوء السوري باتت ازمة مستدامة في الدول المستضيفة، ولا يمكن تبسيطها بمجرد تفاهم دمشق والعواصم المستضيفة لان حسابات الافراد مختلفة عن حسابات الحكومات.