طلبت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية الجيش العربي من الأردنيين الذكور مراجعة مكاتب شعبة التعبئة والجيش الشعبي ضمن مناطقهم السكنية للحصول على دفاتر خدمة العلم المؤجلة لمن أعمارهم بين 18 و40 سنة وشهادة الإعفاء من الخدمة لمن أعمارهم 40 سنة فما فوق، وذلك قبل التوجه إلى المطارات والمعابر الحدودية تجنبا لتأخير رحلاتهم.
وقد أثار هذا القرار العديد من التساؤلات الشعبية حول أساسه القانوني، والتي يمكن الرد عليها بالقول إن هذا القرار قد جاء متوافقا مع الأحكام التشريعية الخاصة بخدمة العلم كما نظمها المشرع الأردني في قانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية رقم (23) لسنة 1986 وتعديلاته. فخدمة العلم قد جرى تعريفها بأنها «الواجبات المترتبة على كل أردني وفق أحكام القانون»، حيث يكلّف بهذه الخدمة كل أردني أكمل الثامنة عشرة من عمره حسبما تقرره القيادة العامة للقوات المسلحة لهذه الغاية، وذلك عملا بأحكام المادة (3) من القانون.
أما مدة هذه الخدمة، فيجري تحديدها بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب من وزير الدفاع المقترن بتوصية رئيس هيئة الأركان المشتركة لفترة زمنية لا تقل عن ثلاثة شهور ولا تزيد على سنتين، على أن تشمل هذه المدة أي فترة زمنية قد يقضيها المكلّف في التدريب والعمل في الوحدات العسكرية، أو لدى أي جهة حكومية أخرى توافق عليها القيادة العامة للقوات المسلحة.
وتخضع خدمة العلم لحالات معينة يمكن تأجليها فيها أو الإعفاء منها؛ فقد أجاز القانون تأجيل هذه الخدمة في وقت السلم لكل من طلبة المدارس الثانوية والمعاهد والكليات الجامعية أو ما يعادلها داخل المملكة أو خارجها، وللطلبة الملتحقين في برامج الماجستير والدكتوراه ضمن شروط خاصة، على أن ينتهي هذا التأجيل عند بلوغ الطالب المعني سنا معينة حددتها المادة (9) من القانون، وألا يستفيد من هذا التأجيل الطلبة الدارسون في الجامعات والمعاهد العلمية عن طريق الانتساب.
كما يشمل التأجيل من خدمة العلم أية مجموعة من المكلفين لا تتمكن القوات المسلحة من استيعابهم، شريطة أن يتم استدعاؤهم لأداء هذه الخدمة في أقرب فرصة ممكنة.
وهذه الحالة القانونية الخاصة بتأجيل خدمة العلم تشكل ردا على التساؤلات التي أثيرت مؤخرا حول مدى دستورية عدم تنفيذ قانون خدمة العلم، حيث تساءل البعض عن مشروعية عدم أداء خدمة العلم على الرغم من أن القانون الناظم لها يعد تشريعا نافذا استكمل كافة الإجراءات الدستورية الخاصة بإقراره من قبل السلطة التشريعية ودخوله حيز النفاذ.
إن قانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية الحالي هو تشريع وطني ساري المفعول ولم يتم إيقاف العمل به، وأن تأجيل خدمة العلم لأي مجموعة من المكلّفين يستند إلى نص قانوني صريح يعطي القوات المسلحة الأردنية الحق بأن ترجئ خدمة العلم للمكلّفين الذين لن تتمكن من استدعائهم للخدمة الفعلية.
وقد سمحت المادة (33) من القانون ذاته للمكلفين الذين تقرر تأجيل خدمتهم بسبب عدم تمكن القوات المسلحة من استيعابهم أن يتقدموا للتوظيف في الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية وفي الشركات والمؤسسات الخاصة، وأن يتسلموا وظائفهم وأعمالهم الخاصة بهم إلى أن يتم استدعاؤهم لأداء خدمة العلم.
ومن الحالات الأخرى التي يجيز فيها القانون تأجيل خدمة العلم أن يثبت بالفحص الطبي الذي تجريه اللجنة الطبية العسكرية المختصة أن المكلّف مصاب بمرض أو عاهة تمنعه مؤقتا من أداء الخدمة، شريطة أن ينتهي التأجيل بزوال أسبابه. كما يجوز تأجيل هذه الخدمة لكل مكلّف محكوم عليه بعقوبة مانعة للحرية طيلة مدة تنفيذ العقوبة والموقوف من قبل السلطات المختصة طيلة فترة توقيفه.
وفي جميع الأحوال، فإن واقعة تأجيل خدمة العلم لأي سبب من الأسباب السابقة يستدعي بالضرورة إثباتها في وثيقة خدمة العلم، وهي الوثيقة التي جرى تعريفها في المادة (2) من القانون بأنها «المستند أو القيد الذي يقوم بتفعيله المكلّف من خلال الوسائل والمواقع والتطبيقات الإلكترونية وأي وسيلة أخرى تقررها المديرية العامة للقوات المسلحة، وتحتوي على التفاصيل المنصوص عليها في قانون خدمة العلم والأنظمة والتعليمات التي تصدر بمقتضاه».
أما بخصوص الإعفاء من خدمة العلم، فقد جرى تحديد أسبابها في المادة (8) من قانون خدمة العلم وتشمل كل أردني ذكر لا تتوافر فيه شروط اللياقة الصحية بقرار من اللجنة الطبية العسكرية المختصة، ومن تقرر تأجيل خدمته ثلاث سنوات متتالية لأسباب صحية إذا ثبت بقرار من اللجنة الطبية العسكرية أن مرضه غير قابل للشفاء. كما يمشل الإعفاء من الخدمة الإبن الوحيد (الذكر) لوالديه أو لأحدهما أحياء كانوا أم أمواتا وفقا لسجلات دائرة الأحوال المدنية والجوازات.
في المقابل، فإن التكليف بخدمة العلم يتنهي عندما يبلغ المكلّف الأربعين سنة من عمره، وذلك عملا بأحكام الفقرة (ب) من المادة (3) من القانون. وهذا الحكم التشريعي قد استندت عليه القيادة العامة للقوات المسلحة في قرارها الأخير الصادر عنها بضرورة مراجعة المكلّفين الذين تجاوزت أعمارهم الأربعين سنة للحصول على شهادة الإعفاء من الخدمة.
فهؤلاء الأردنيون المكلّفون قد تقرر إعفاؤهم من خدمة العلم بموجب القانون بسبب بلوغهم السن المقررة للإعفاء من هذه الخدمة. بالتالي، يتعين عليهم اثبات تلك الواقعة من خلال حصولهم على شهادة الإعفاء التي تمنحها لهم القوات المسلحة لهذه الغاية. فالمادة (30) من القانون تنص صراحة على أنه لا يُسمح للمكلّف بمغادرة البلاد إلا بعد حصوله على إذن من المديرية العامة للقوات المسلحة، وأنه لا يتم منح هذا الإذن إلا لمن استثني من خدمة العلم أو أعفي منها أو تأجلت خدمته وفق أحكام القانون.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة