تدفق المدخرات الإسرائيلية إلى الأسهم الأميركية، وخاصة في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، يعكس واقعا اقتصاديا متغيرا في إسرائيل بفعل الأزمات السياسية والجيوسياسية، فمنذ بداية حرب غزة، زادت تحويلات المستثمرين الإسرائيليين نحو الأسواق الأميركية، حيث تضاعفت استثماراتهم بأكثر من الضعف. هذه الظاهرة تبرز فقدان الثقة في السوق المحلي الإسرائيلي نتيجة الضغوط الداخلية على الاقتصاد، خصوصا فيما يتعلق بالاستقرار السياسي، ارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي.
وفقا لتقرير صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية ونقلا عن موقع الجزيرة الاخباري، فإن التدفقات المالية المتزايدة من صناديق التقاعد والإدخار في إسرائيل كانت نحو الأسهم الأميركية، والتي تمثل الآن نسبة مهمة من الاستثمارات الجديدة. في العام الماضي، تم استثمار 75 مليار شيكل (ما يعادل 20 مليار دولار) في سوق المعاشات التقاعدية الإسرائيلية، منها أكثر من نصفها – حوالي 41 مليار شيكل – ذهب إلى صناديق تتبع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”. هذه الاستثمارات تضاعفت بشكل كبير بعد الحرب المستمرة، حيث وجد المستثمرون في هذا المؤشر فرصة لتحقيق عوائد أكبر.
فقبل ثلاثة أعوام، كان مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” في إسرائيل محصورا بين عدد محدود من المستثمرين، إذ كان 1 % فقط من الأموال الموجهة للاستثمارات طويلة الأجل تُستثمر في هذا المؤشر، ما يعادل 6 مليارات شيكل (1.6 مليار دولار). ولكن بحلول عام 2023، ازداد الاهتمام بهذا المؤشر بشكل كبير، حيث أصبحت صناديق التقاعد الإسرائيلية تدير أصولا بقيمة 869 مليار شيكل (231 مليار دولار)، مع توجيه 9 % من هذه الأصول إلى الاستثمارات في تتبع المؤشر الأميركي، مقارنة بنسبة 0.5 % فقط في أغسطس 2021، حسب موقع الجزيرة الإخباري.
التحليل الأعمق لهذا التوجه يكشف عن تزايد المخاوف لدى المستثمرين الإسرائيليين من استمرار الاضطرابات السياسية والاقتصادية. تشير الإحصائيات إلى أن صناديق التقاعد والمؤسسات المالية الإسرائيلية قد عززت استثماراتها في الأسهم الأميركية، حيث تم توجيه 9 % من أصول التقاعد إلى صناديق تتبع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، مقارنة بنسبة 0.5 % فقط قبل بضع سنوات. هذا التحول يظهر أن المستثمرين باتوا يبحثون عن تنويع استثماراتهم بعيدا عن المخاطر الداخلية، حسب موقع الجزيرة الاخباري.
بالنظر إلى الاقتصاد الإسرائيلي الحالي، يتضح أن تدفق الاستثمارات نحو الخارج هو وسيلة لتقليل المخاطر المحلية وتحقيق عوائد أعلى، فالاقتصاد الإسرائيلي يعتمد على التكنولوجيا والابتكار، ولكن استمرار الأزمات الداخلية قد يهدد نمو هذه القطاعات على المدى الطويل. الاستثمار في الأسواق الخارجية، مثل الأسهم الأميركية، يتيح للمستثمرين فرصة تحقيق عوائد أكثر استقرارا في ظل الأزمات المحلية.
ومع وصول مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” إلى مستويات قياسية في 2024 وزيادة العوائد على الاستثمار فيه، يعكس هذا التوجه رغبة المستثمرين الإسرائيليين في الابتعاد عن المخاطر المحلية والتوجه نحو استثمارات آمنة ومربحة دوليا. في ظل هذا التحول، يمكن القول إن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه تحديات كبيرة في الاحتفاظ برؤوس الأموال المحلية وتعزيز ثقة المستثمرين في السوق الداخلي.
بالإضافة إلى ذلك، تشير زيادة الاستثمارات الإسرائيلية في الأسواق الأميركية إلى تحول استراتيجي لدى المستثمرين نحو الاعتماد على الاقتصاد العالمي، بدلا من الاعتماد فقط على الاقتصاد المحلي. هذا التوجه يعكس أيضا الطبيعة الديناميكية للاقتصاد الإسرائيلي، الذي يسعى دائما إلى التأقلم مع الظروف المتغيرة على الساحة الدولية.
إن تدفق المدخرات الإسرائيلية إلى الأسهم الأميركية يعد مؤشرا على التحولات الكبرى التي يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي، إذا استمرت هذه الظاهرة، فقد تواجه إسرائيل تحديات جديدة في الحفاظ على استقرارها الاقتصادي الداخلي، خاصة مع عدم تمكن الحكومة من معالجة القضايا السياسية والاقتصادية المحلية التي تدفع المستثمرين نحو الخارج ويؤشر باستمرار لهشاشة هذا الكيان المأزوم.