بقلم الاعلامية نزهة عزيزي –
يسعدني اليوم أن يتوقف قلمي عند واحدة من رائدات تطوير الذات في العالم العربي ، والتي لم تكتفي بالنجاح في هذا المجال فحسب بل حتى في ريادة الأعمال أيضا، مسيرتها حافلة بالانتصارات على المرض والحرمان والاقصاء. وأتوقف في هذا المقال على تحليلها وتفسيرها لبعض الأمراض التي يعاني منها الأفراد والتي تحولهم إلى عرائس داخل مسرح الحياة فيعيشون داخل شخصيات فرضتها البيئة والمحيط منصهرين داخلها إلى درجة أنهم لم يعودو يفرقون بين الأقنعة التي يلبسون وجوهرهم المفقود. وجدت طرحها جد شائك، رغم أن موضوع القناع تطرقت له الدكتورة نوال السعداوي منذ الاربعينات ، حيث تفضح النفاق الاجتماعي الذي يمارسه الافراد والسلطة على حد سواء. لكن الدكتورة سمية الناصر تعالج في الصميم فهي لاتخاف من تعرية الجرح المثخن ،وهي تأخد بيد المرضى للتشافي مهما كان الطريق في أغوار النفس شاقا وطويلا خصوصا إذا رجع بهم الأمر إلى الطفولة وصدماتها.
الدكتورة سمية الناصر تُعَدّ واحدة من أبرز الشخصيات السعودية في مجال تطوير الذات، وتتمتع بتأثير كبير في الساحة العربية. ولدت في الرياض عام 1982، وهي حاصلة على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن. إلى جانب كونها كاتبة ومتحدثة، هي أيضًا أول مدربة سعودية معتمدة في مجالي الإبداع والذكاء العاطفي.
بدأت سمية الناصر حياتها المهنية بالتدريب على التطوير الذاتي، وعملت على تحسين حياة الناس الشخصية والمهنية من خلال العديد من الدورات والمؤلفات التي تعزز الوعي الذاتي والقدرة على تحقيق الأهداف. من أهم إسهاماتها إطلاق برنامجها الشهير “ليش” عبر منصة يوتيوب، والذي يُعنى بالتنمية الذاتية ويستهدف الشباب العربي.
تُعرف الدكتورة سمية بمقولاتها الملهمة التي تركز على النمو الذاتي والتغلب على التحديات النفسية. واحدة من أبرز أقوالها: “التصالح مع الماضي نقطة جوهرية في حياة الإنسان، حين يصل إليها أو يقرر الاتفاق معها، فإن كل حياته سوف تتغير تبعاً لذلك”. كما تؤمن بضرورة التحكم في الأفكار السلبية وتؤكد على أهمية العادات اليومية، مشيرة إلى أن الأفكار التي تسيطر على الإنسان قبل النوم أو عند الاستيقاظ تؤثر بشكل كبير على يومه.
من بين كتبها الأكثر شهرة “حدثني فقال” و”ابقَ إيجابيًا”، حيث تقدم من خلالهما استراتيجيات عملية للتحفيز على التغيير الإيجابي وتحقيق السلام الداخلي. بالإضافة إلى ذلك، كانت الدكتورة سمية أول سفيرة سعودية في منظمة “سلام بلا حدود”.
إن مسيرتها المهنية الملهمة تعكس التزامها بمساعدة الأفراد على تجاوز العقبات وتحقيق أفضل نسخة من أنفسهم، ما جعلها تحظى بتقدير واسع في العالم العربي ودوليًا.
تتحدث الدكتورة سمية الناصر عن ظاهرة الأشخاص الذين يعيشون حياتهم خلف أقنعة، متناسون وجههم الحقيقي ومشاعرهم الأصلية. في وجهة نظرها، هؤلاء الأفراد غالباً ما يبدؤون بالتأقلم مع توقعات المجتمع، إلى حد يصبح فيه من الصعب التمييز بين الذات الحقيقية والهوية التي يتبنونها كواجهة.
تعتبر سمية أن هذا النمط من العيش هو من أكثر الأمور المدمرة للسلام الداخلي؛ حيث ترى أن الإنسان قد يضيع في محاولة تلبية توقعات الآخرين لدرجة أنه ينسى احتياجاته ورغباته الشخصية. وتقول: “العيش تحت قناع لا يؤدي إلى السعادة، بل يزيد من الشعور بالوحدة والاغتراب عن الذات”. وفقاً لها، من الضروري أن يبدأ الفرد بتعرية تلك الأقنعة والعودة إلى نفسه الحقيقية عبر التأمل والتصالح مع الذات والتركيز على تلبية حاجياته وإشباعها لتفادي الكبت بكل أشكاله ،كما تركز على أهمية مواجهة المشاعر المخفية بدلاً من دفنها وراء واجهات زائفة. فوفقاً لها، هذه الأقنعة تجعلنا نصبح أكثر انعزالًا، وتؤدي إلى أن يفقد الشخص اتصاله بجوهره الحقيقي، مما يؤثر على علاقاته بالآخرين وعلى رضاه عن حياته بشكل عام.
ترى الدكتورة سمية الناصر أن عملية التشافي لا تقتصر على الجانب الجسدي فقط، بل تشمل أيضًا البعد النفسي والروحي. وتؤكد على أهمية فهم الفرد لجوانب نفسه العميقة والعمل على معالجة الجروح القديمة التي لا تزال تؤثر عليه. وفقاً لها، التشافي يتطلب وعيًا داخليًا بالذات وشجاعة لمواجهة الألم بدلاً من الهروب منه أو إخفائه.
واحدة من ميكانيزمات التشافي التي تتحدث عنها سمية هي التصالح مع الماضي، حيث تؤمن أن فهم الأحداث التي أثرت علينا في طفولتنا هو خطوة أولى نحو الشفاء. وتضيف أن الاعتراف بالألم والسماح له بالخروج إلى السطح يمكن أن يساعد الفرد على التحول الإيجابي، وتقول: “التصالح مع الماضي ليس أمرًا سهلاً، ولكنه يأتي على مراحل تبدأ بالاعتراف بتجربتنا الصعبة وتأثيرها المستمر فينا”.
من أدوات التشافي التي تؤكد عليها سمية هي تغيير البرامج العقلية السلبية، وهي تلك الأفكار والسلوكيات التي تحكم تصرفاتنا دون وعي. تشير إلى أن التخلص من هذه البرمجات يتطلب عملاً منتظمًا على مستوى الفكر والعاطفة، من خلال التأمل والتدريب العقلي الذي يعيد تشكيل أسلوب التفكير بطريقة إيجابية.
كما تدعو إلى أهمية العادات اليومية كجزء من التشافي؛ فمثلاً، تعتبر أن الدقائق الأخيرة قبل النوم والأولى بعد الاستيقاظ لها تأثير كبير في تشكيل الحالة النفسية للشخص. لذا تنصح بممارسة التفكير الإيجابي والامتنان خلال تلك اللحظات الحرجة، مؤكدة أن “نومك يصنع يومك”.
شكرا