أخذ «بيت الشعر- المفرق» مكانه في معرض عمان الدولي للكتاب في دورة المعرض الثالثة والعشرين؛ فعلى مدار يومين قدّم بيت الشعر في مهرجان الشعر العربي التاسع روائع القصائد والأشعار لشعراء أثنوا على المبادرة الكريمة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث وجّهت مبادرة سموّه بتأسيس بيت الشعر المفرق سنة 2015، واستمرّ هذا البيت في فعالياته المنتظمة، والتي يتوجها كل عام بمهرجان الشعر العربي وسط حضور ثقافي وإعلامي لرواد القصيدة والأدب والشعر.
ففي أمسية الافتتاح، التي حضرها مدير بيت الشعر فيصل السرحان وأدباء ومثقفون وجمهور معرض الكتاب، شهد المركز الأردني للمعارض قصائد متنوعة وتواقيع مجموعات شعرية لشعراء أردنيين من منشورات دائرة الثقافة بحكومة الشارقة، جاءت ضمن سلسلة إبداعات عربية، وسط إقبال واضح على جناح التوقيع.
وفي كلمة الافتتاح، رحب مدير بيت الشعر فيصل السرحان بالشعراء المشاركين، معبرًا عن تقديره لمبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لتأسيس بيت الشعر- المفرق عام 2015 بمبادرة فريدة من نوعها، معبرًا عن اعتزاز الوسط الثقافي والأدبي لكون بيت الشعر- المفرق باكورة المبادرات الكريمة التي شملت العديد من البلدان العربية، حيث كان بيت الشعر- المفرق أول بيت للشعر يقام خارج دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وفقًا لهذه المبادرة، وقال إن بيت الشعر المفرق ما يزال يثابر بكل جد?ة ومسؤولية للوفاء برؤية المبادرة ورسالتها، حيث تكللت الجهود الموصولة بنجاح كبير كان فيه شركاء فاعلون دفعوا عجلة النجاح لتصل تخوم آفاقها المستهدفة، وعبّر السرحان عن تقديره للشركاء، وفي طليعتهم وزارة الثقافة والمكتبة الوطنية والجامعة الأردنية وكلّ المؤسسات الثقافية التي استضافت أنشطة بيت الشعر على مستوى الوطن والشعراء والنقاد الأردنيين والعرب الذين شاركوا في أنشطة البيت على مدى تسعة أعوام مفعمة بالجمال والإبداع، وكذلك أصدقاء بيت الشعر الأوفياء. كما عبّر السرحان عن شكره لاتحاد الناشرين الأردنيين، مؤكدًا الشرا?ة الثقافية بين الاتحاد وبيت الشعر في استضافة المهرجان في سياق معرض عمان الدولي للكتاب، متطلعًا إلى تجذير هذه الشراكة القيّمة عبر رؤية استراتيجية طويلة الأمد، بما يحقق الأهداف الثقافية الإبداعية المشتركة.
وفي الأمسية الأولى، التي أدارها الدكتور سالم الدهام، كان الشاعر سعيد يعقوب يقرأ بجمالية وعفوية الوصف لإحدى الحاضرات في الأمسية، والتي ألهبت مشاعره، فقرأ غزلًا موشى بالزهر والعبير والشعور الذي اهتز له قلبه، إذ قرأ:
وَلَاحَتْ فَجْأَةً بَيْنَ الحُضُورِ
كَرَفَّةِ زَهْرَةٍ وَشُعَاعِ نُورِ
كَهَبَّةِ نَسْمَةٍ وَنُزُولِ وَحْيٍ
وَرِقَّةِ بَسْمَةٍ وَرُؤَى عَبِيرِ
فَبَرْعَمَ فِيْ دَمِيْ فَرَحٌ وَحُزْنٌ
فَيَا لِيْ مِنْ أَسَايَ وَمِنْ سُرُوري
أَهَاجَتْ كُلَّ خَابٍ فِيْ عُرُوقِيْ
وَهَزَّتْ كُلَّ غَافٍ مِنْ شُعُوري
وذهبت قصائد الشاعر يوسف عبد العزيز إلى مشهدياته الجميلة، وتأنيه في سطوره الشعرية التي حازت إعجاب الحضور.
وفي قصيدته، قرأ الشاعر موسى الكسواني قصيدة لغزة سيدة الشهداء، معتمدًا على الوصف لبيان مشاعره تجاه المدينة.
الصُّبحُ تنفسَ منذُ صعودكِ
يا غزةُ فوق الشمسِ وقد
مَزَّقتِ بِنَصلكِ ثوبَ الأمسْ
والأطفالُ ذخائرُ زلزلةٍ قادمةٍ
يقتاتونَ الرملَ المذبوحَ على الساحلِ
والعُشبَ المسفوحَ على الطرقاتْ
والجوعُ الحاقدُ تَعركُ سطوتَهُ
أمعاءُ الصبيةِ تحتَ سماءٍ هاطلةٍ
تَشْخبُ نارًا في لُجِّ دخانٍ
وغبارٍ فوق السجادِ الدمويِّ
النازفِ في غزةَ سيدةِ الشهداءْ
أما الشاعر محمد الفراية فقد قرأ قصيدة بعنوان «أنا بخير» عبّر فيها عن رؤيته للمكان، حيث قرأ:
أنا بخيرٍ تركتُ الشِعرَ والجُملا
لمّا حصدتُ مياه الجورِ والعِللا
ورغمَ أنّي مَدينٌ والمُدى عُنقي
آتٍ لأنزعَ من أفكاركِ الشَللا
آتٍ من النقطةِ العمياء علَّ أسىً
يُعيدني فيكِ..يلقي بنكيَ الكُفلا
تداركي شاعراً قد شاب مفرقه
بالظلم يا بلدتي لا تقتلي الرجلا
لمْ ترتشِ الريحُ يوماً كي تجاملني
لو كنتُ بعتُ عيوني عُدتُ مُكتحلا
أنا بخيرٍ…وما عاتبتُ من أحدٍ
وفي القُرى ورديَ المكلوم قد ذَبُلا
كما قرأ الشاعر عادل الترتير قصيدة «نورا» التي ظهرت فيها مشاعره من خلال هذه الأبيات:
باسمك أبدأ الأبيات
أجمل فتحة لكتاب
كنقاش يصوغ اللون
للأخشاب والأبواب
كمعتكف بعتم الليل
ينادي ربه الوهاب
أبدأ باسمك الضوئي
يا وقادة الأحرف
ستذكرني دموع العين
حين تبلل المصحف
أحبكِ
لوحةٌ رُسمت
تزين ذلك المتحف
تعالي الآن
لا تخفي
مراهقة هي الكلمات
هي الأشعار
نفس الشكل
لكن تخطئ المرآة
نموت لأجل هذا الحب
لم نحظى بطوق نجاة
لأجل الحب يا نورا
خلعت جميع أحزاني
أتيتك خائفا خجلا
وقد ضيعت عنواني
ولي بيت بحجم الحلم
أذكره..
وينساني
أما الشاعر عضيب عضيبات، فقرأ قصيدة برزت فيها مفردة الموت والفقد وفلسفة العاطفة تجاه الأم، حيث قرأ:
على سيرةِ الموتِ هذي حياتُـــ
ـــكَ يا ابنَ الدوائرِ وابنَ الزوايَا
تُعانِي من الفقْدِ ما ظلَّ شيءٌ
من الأمسِ غير اختلافِ النوايَا
تكادُ تفوتُكَ قافلةٌ صَوْ
بَ ما فيه حَلٌّ لكلِّ القضايَا
وما لَكَ والحلّ؟ منذُ متى نَقْـــ
ـــبَلُ الحَسَناتِ ونَرجُو الهدايَا
هناكَ قصائدُ مشروعةٌ حَرَّ
مَتْها على مَنطِقِي شَفَتايَا
لقد خلّفوكَ لتصْفَحَ عنها
لقاءَ الذي اقترفتْهُ يدايَا
ألسْتَ مِن المتعَبينَ؟ تذكّرْ
تُ كنتَ معِي فِي جميعِ المرايَا
تركْتُكَ كي أَتَرقّى إلى رُتْـــ
ـــبَةٍ حازَها المُتعَبُونَ الضّحايَا
ونصّبْتَني مَنْصباً يتمنّا
هُ كلُّ الذينَ رأَوْا مُحتوايَا
على سيرةِ الموتِ عفواً فَسِيرَ
تُهُ رِيشةٌ في مهبِّ الخطايَا
وأنتَ خطيئةُ قلبِي وحسْبُــ
ــكَ أنّكَ أثبتَّ لِي مُستوايَا
كَفَافِي جناحايَ لكنّنِي قَـــ
ــــلِقٌ مِن نفوذِ الطيورِ العرايَا
ورُوحي فتيلٌ تجاهلْتُهُ وَ
لِذلكِ أبدو كثيرَ الشَّظايَا
على سيرةِ الموتِ ظلَّتْ ورائِي
مُسَوَّدَةٌ لمْ تُناسبْ هوَايَا
أَتَعرِفُ ما الشِّعرُ؟ خُذْها وخُذْ رَا
حَتِي ضعْهُما في ملفِّ السّبَايَا
إذا مِتُّ أكثِرْ زِيَارةَ أُمِّي
تَجِدْ أنّنِي كامنٌ في البقايَا
وخذْ موعداً من أبِي وتعلَّمْ
طريقةَ أنْ تجعلَ الحُزنَ نايَا
قَدِ ارْتفَعَتْ مَعْنويّةُ حُزنِي
وفرّقْتُ حَلوَى نفَاذِ الوصَايَا
على سيرةِ الموتِ مِن قلّةِ المَوْ
تِ أكتبُ شِعْراً وأُلقي عَصَايَا
وختم الأمسية الشاعر بشار خمايسىة بقصيدة عبّرت عن أحزانه، كما برز فيها المخيم الأثير كمكان لدى الشاعر.
أحزانُ هذي الأرض تسكنُ شُرفَتي
والياسمينةُ لا تقولُ الصِّدقا
عُدْ بِيْ معي نحوَ المُخيَّمِ
لاجئًا
كَمْ في المُخيَّمِ مِنْ أسىً
مُستبقَى!
وأنا كَكُلِّ الحالمينَ
أضعتُني
مِنْ يومِ سَمَّتْني الحضارةُ
شَرْقا
سيقولُ بابٌ ما لدمعةِ طِفلةٍ
لا تُرهقيني يا صبيَّةُ
طَرْقا
حَرَّرتُني مِنّي وبعدُ مُحاصرٌ
ووهبتُ روحيَ للحنانِ
الأبقى
وتضمنت الأمسية إشهار مجموعتين شعريتين من إصدارات دائرة الثقافة بالشارقة، هما مجموعة «بال البحر» للشاعر عضيب عضيبات، و”خيال الظل» للشاعر بشار محمد.
وفي أمسية اليوم الثاني للمهرجان، التي أدارها جعفر العقيلي، قرأ الشاعر إسلام علقم قصيدة وطنية لفلسطين، عبّر فيها عن مشاعره مصورًا عددًا من الأحلام والأمنيات.
ستفرحُ كلَّما أهدتكَ أنثى
شبيهًا يستقي منكَ الأماني
وتبكي حينما تَغْبَرُّ فيه
ملامِحُهُ بهمْساتِ المعاني
سماؤُك في السُّقوفِ وليس أعلى
وأرضُكَ في محطَّاتِ الأوانِ
وترضى بالأقَلِّ كما حَمامٍ
يطيرُ عن الطَّريقِ لأيِّ داني
عليكَ بأن تنامَ بنصفِ حُلمٍ
وأن تجري السِّباقَ بلا حصانِ
وتحيا أيَّ ما يُبقيكَ حَيًّا
على أملٍ يسافرُ في الزَّمانِ
وفي قراءته، ألقى الشاعر الدكتور علي غبن قصائد كان للذات فيها نصيب كبير، حيث البرق والمدى والوهم والأيام والنور والطريق، ومما قرأ:
أتى والمدى بين السّماكين عارض
وغادر مثل البرق ومض ووامض
مشى بي بصحراء من الوهم رملها
سراب وفي روحي أمانٍ نواهض
يحررني مني فأوشك أن أرى
حقيقة هذا الكون والكون رافض
يريني من الأحداث قبل وقوعها
مشاهِده وهم… ومعناه غامض
ويأخذني مني إلى حيث ينتهي
فضاء من اللا شيء باللون نابض
عجبت له كيف استدل طريقه
وحولي من الأيام سود روابض
شعرت بما لا يقدر الشعر وصفة
فلا أنا مقروض ولا الشعر قارض
وكنت بلا وعي أسيرُ به معي
كأني على جمر الغواية قابض
فلا الدرب مرتاح ولا والبال هادئٌ
ولا النجم يهديني ولا الخيل راكض
ولا النور يأتي من بعيد يقودني
إلى حيث تزري بالقصيد المعارض
أمّا الشاعرة ماريا الرفاعي، فقرأت قصيدة عبّرت فيها عن استشرافها للأيام وأهمية الإيمان والعمل للغد والحنين إلى القدس، حيث قرأت:
رأيتُ أدلَّ البعث للناس ظُلمَهم
وآمنتُ يومَ الناسُ في الله شكَّتِ
إلى يومِ يلقى كلُّ خصمٍ خصيمَه
وكلُّ امرئ لم يَقدُرِ اللهَ يُنكَتِ
هل الجسمُ إلا ما تداعت ضلوعُهُ
ببُرْءٍ سَرى عمًّا به أو بهلْكةِ!
كما قرأ الشاعر إبراهيم الحسبان عددًا من قصائده، ومنها قصيدة تغنّى فيها بالقدس وعبّر عن شوقيه إليها، ومما قرأ:
تسابقني روحي وأبغي اصطحابها
وَسَيَّانَ عِنْدِي أَيْنَ شَدَّتْ رِكَابَها
فما خَدَعَتْني ذَاتَ يَوْمٍ وَلَمْ تَكُنُ
تُبَعْثِرُ فِي دَرْبِ الأماني سَرَابَها
وَتَعْرُجُ بِي حَتَّى أرى الشمس دونها
رماداً كأن الريح تذرو يبابها
فأدرك أن الله ألقی بنوره
على القدس حتى دقت الشَّمْسُ بابها
لِتَقبِس مِنْها جُذْوَةً مَقْدِسِيَّةً
تعيد إليها دِفْنَها والْتِهَابَها
هِيَ الْقُدْسُ يَسْرِي في الشرايين نَبضُها
نداء لو اجتاز الفيافي أذابها
أمّا الشاعر لؤي أحمد، فقرأ قصيدة غلب عليها الجانب الصوفي، وحملت عنوان «شيخ الطريقة»، إذ وصف فيها بناء القصيدة من منظوره الذاتي، حيث قرأ:
بـحرٌ وإيــــــقــاعٌ وقـــــافِـــيــــــةٌ أَنــــــيـــقَـةْ
هيَ فـــتــنـــةُ الـمهــجـورِ مــن لغـــتـي العَـــتيــــقــةْ
بــيضاءُ في عينـي القَصيدةُ إنْ تَــكُنْ
فــيـــها الــــنَّــــوافِـــذُ لا تُــطلُّ على حَديـــقَـــةْ
الشِّعرُ: أنْ يَطوي الـمَكانَ مـعَ الــــــزَّمـــانِ فَـــمٌ
سَيخْــتــــزلُ العَــــوالــمَ في دَقــــيـقَــةْ
الشِّعرُ: أنْ تَــهَبَ الـمُـــؤَوِّلَ معنـــيــــيـنِ
تـــنـــامُ بـــيـــنــهما الكـــنايـــــةُ مُـــســتَـــفـــيــقَـــــــةْ
الشِّعرُ: ثــالـــثـةُ العُـــيــونِ بـها تَــــرى
مـــا لا تَـرى الـعَــيْـــنــانِ في الصــور الدقــيــــقَـةْ
الشِّعرُ: فَـــنُّ الـمحوِ والإيــــحاءِ إنْ
وَجــــدَ الســؤالُ الضَّحلُ أجــوبــةً عَمــيـقــــةْ
ما البحرُ؟: شـــيخٌ مُـــولَـــــعٌ بالسَّـــردِ يَــــروي قِــصَّـــةَ
البـــــحَّـارِ للسُّفـــنِ الـــغَــريــــقَــةْ
ما الليلُ؟: عاشــــقُ نــــــجــــمـــةٍ صيفيةٍ في
البــــئــــرِ تَـــغسلُ وَجـــهَــهَا لتَبلَّ رِيـــــقَــهْ
ما البئرُ؟: خازنةُ الحَصى، عبثُ الطفولةِ
بالصَّدى في جَرَّةِ الريحِ السَّحيقَةْ
ما الريــحُ؟: ســـيَّــدةٌ تُــطــيِّــــرُ شَـــالَـــــهـا
كي يَـــسقُطَ الصيَّـادُ بالــنَّـــارِ الصَديـــقَــةْ
وكان ختام الأمسية الأولى للمهرجان بقصائد للشاعر عبدالله حمادة، حملت همومه تجاه أدوار الحياة المرسومة، وإحساس الشاعر تجاه كل ذلك، ومما قرأ:
مـــاضٍ..
ويـخذُلـك الطـــريـق مـِـرارا
فــــبـأيّ آلاءِ الأســـــــــى تـــتـمارى!!
مــا كــــنـتَ فــيـهم إذ رَمَـوا أقلامَهم
والعـــيـنُ حــَــيرى،
والمـِـيـاه حيارى
والنــــاس خـلفَك يـركُـضـون دوائـراً
فــعلامَ هــــم يــــتـعرَّقـون بُــخـارا؟!
وكــأنـهم عـــلِـموا بــــأنَّ دلــــــيـلَهم
كَـــسُكُوتـِـهم إن قدّمـوه
تـــــوارى
وبـأنــَّـه حــين ارتــوى مــن قوتِهــم
أخـَـــذ الفــُــــــتاتَ ولـَــفّهُ سيـجـارا
وفي نهاية الأمسية الختامية للمهرجان، تمّ توقيع إصدارين من إصدارات دائرة الثقافة بالشارقة، هما مجموعة «خفيفًا كفكرة»، للشاعر عبدالله حمادة، والكتاب النقدي «القوس والكنانة» للناقد الدكتور عامر أبو محارب.