عروبة الإخباري – نبيل عماري –
بيوت الزمن الجميل بيوت المونة والخيرات بيوت القهوة وعطر الهيل الفواح بيوت الكرم والجود بيوت كواير القمح والبرغل وطاحونة القهوة الخشبية والهاون ورائحة المستكا والمحلب.
بيوت أحواض النعنع والبير وعناقيد العنب وتنكات الزريعية بتشكيلاتها المختلفة من رياحين وورود.
عندما كانت الشاشة الصغيرة لا تنقل سوى اللونين الأبيض والأسود، كان خلفها حياة مليئة بالألوان الزاهية، صوفات كألوان الربيع وياسمينة عراقية وشامية بيضاء كقلوب الناس البسطاء وعطرة، وركوة قهوة وفناجين صينية فيها المحبة، وطبلية ومطبخ عامر بالمونة.
بيوتنا كانت تفوح منها رائحة العيد ورائحة المواسم وجمال نيسان ودفء كوانين ورائحة «تتن» جدي وضحكات خارجة من القلب، وماكنة لحمة فضية يدوية، وجرن كبة وكفتة وصحن كبة نية وعصير لموناضة شغل بيت، وسكون ليل وصوت صرصور الليل ورائحة شتاء وصوت رعد ووميض برق، وصوبة بواري في دفء العائلة وشواء بلوط وكستناء وحبات بليلة وفول نابت وصوت ماكنة خياطة ومريول وأبرة وكشتبان ولحاف وفرشة وخيطان، ملاحف ومطوى ووهد فراش وهريسة من سميدة بلدية بالقطر وصوت قادم من راديو كبير وعبد الوهاب «فين طريقك فين»، وإذاعة وصوت هدى السادات بما يطلبة المستمعون وجوقة عصافير في يوم نيساني ورائحة سمك مقلي.
ومكتبة جميلة فيها أمهات الكتب من العلم والأدب و»لقن» عجين ممتلىء بالخيرات المتعاقبة وجراب كشك ولفائف خبيصة وعناقيد من البامية المجففة، ومجادل بصل وثوم وشمس دافئة تدخل بلا إستئذان في يوم بارد، وصوت بابور يزغرد لغسلة لطبخة لدفء ورائحة عطر جميل من زمن جميل وشاي بنعنع وميرمية تعبق وقالب كيك يخلو من صبغات وتكتيكات الحاضر وأكوام من البطيخ تغفو تحت تخوت الحديد تنتظر موعد معرفة لونها حمراء أو بيضاء وبزرها الأسود الذاهب للتحميص.
بيوت فيها الحديث الهادىء ونساء يطرزن مفارش للبيوت وينسجن جرازي لشتاء قاسي تعبق منه رائحة وطبب صوف وسياخ تعمل على ترابط خيوط الصوف لتخرج كنزة حمراء غنى لها جوزيف عازار تسوى الدنيا يا كنزتي الحمرا
بيوت تمتلك القناعة والبسمة خالية من الأفساد والفساد زمن احترام الكبير فشتان بين الأمس واليوم لقد تغيرت تفاصيل ومفاصل الحياة بشكل لافت فعندما ننظر إلى منازل الزمن الجميل العتيقة نجد الجدران شاهدة على حياة مليئة بالمحبة والجمال. بيوت عابقة بأريج الأصالة ولازالت ضحكات من عاشوا بها تملأ ثناياها.
حين ترى شيئاً ما من ملامح الزمن الجميل يستوقفك الحنين مثلما لو يأخذك الحلم إلى آفاق لا حدود لها، وتتعمق فكرة الزمن في ملامح ما مضى برونق أخاذ، وما ينساب من صور وأصوات ترحل في شلال الذاكرة على شكل ومض وحنين يؤرخ الحقب الزمنية ويظهرها على أجمل صورة. فرائحة الماضي، كرنفال يحمل صوت الزمن الجميل وصورا جميلة.