عروبة الإخباري –
الخبر – ريتا بولس شهوان –
الشباب هم الشرارة التي تنير طريق التغيير، وهم القوة التي ستدفع العالم نحو آفاق جديدة، فعلى حد تعبير الأميرة إيمان بنت عبد العزيز آل سعود: “الشباب هم قوة التغيير الحقيقية في العالم، وهم القادرون على تحقيق مستقبل أكثر إشراقاً للجميع”. اذ يمثلون أكثر من نصف سكان العالم. تتوقف الحياة عندهم اذا لم يشاركوا في عملية صناعة السلام. او يدفعون قدما منظومة اتخاذ القرارات. يأتي هذا في الوقت الذي يواجه فيه العالم تحديات متزايدة، من تغير المناخ والصراعات المسلحة إلى عدم المساواة والفقر. وفي هذا السياق، يبرز دور الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، والذي يهدف إلى بناء مجتمعات مسالمة وشاملة، وتوفير العدالة للجميع، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات.
الشباب والتنمية المستدامة: شراكة استراتيجية
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على أهمية دور الشباب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مشيراً إلى أنهم “قادة التغيير الذين نحتاجهم لبناء مستقبل أفضل”. فالشباب، بحيويتهم وطاقتهم الإبداعية، متأثرين بعمق بالتحديات التي تواجه العالم، مع طاقات كامنة بصناعة حلول إبداعية تتفوق على الأجيال السابقة متخطين حواجز التقليد. حاملين في عقولهم الخلاصات التجارب مستشرفين المستقبل عبر رسم سياسات تشبههم. فيقودون من فقد السعي، الامل، والطموح بمركب التغيير.
يتحمل الشباب مسؤولية بناء مستقبل يسوده السلام والعدل والازدهار. عندما يتوقفون عن بناء تحالفات، قوى ضاغطة، منظمات جديدة تعمل على إنهاء الصراعات، وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار، ويبنون مجتمعاتهم على أسس من الحوكمة الرشيدة، نفقد القوة المحركة للتغيير الإيجابي. فالسلام ليس غاية بحد ذاتها، بل هو الأساس الذي تقوم عليه التنمية في جميع المجالات.
إن الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة، والذي يركز على بناء مجتمعات مسالمة وشاملة، يؤكد على الدور المحوري للشباب في تحقيق هذا الهدف. فعندما ينخرط الشباب في عمليات بناء السلام، وعندما يشاركون في صنع القرار، وعندما يرفعون أصواتهم ضد الظلم والعنف، فإنهم يساهمون بشكل مباشر في تحقيق سلام عادل ودائم. غير ذلك، ينغمس أصحاب الصراع، بالصراع على المصالح، والدوران في دوامة العنف، التي تغذيها العصبيات. الشباب فقط من يزرعون المحبة، بروح الفكاهة، او الابداع العلمي، والتخطيط للتقدم بالمجتمعات. حتى لو بقي الجيل الذي أخذ مكانته من مسار التطور، مستقراً، اتى وحرك استفهامات جديدة، تهزّ الإشكاليات، التي تحل بفكر نيّر.
يعتبر السلام أساسياً لعملية التغيير، الذي لا يكون دون وعي على أهمية التخلص من كل ما يعيق دوران عجلة الخروج من التخلف، والحد من الفرص المستقبلية لتخطي الانحدار الاجتماعي الذي يكون سببه النقص في الموارد، قلة الفرص، وعدم التكافؤ. وكانت الامارات السباقة في تعيين “وزير للتسامح”، مما يتوافق مع الهدف 16، خصوصا ان الامارات تحتضن أكثر من 200 جنسية وهي تعيش بسلام.
لقد أثبت الشباب في العديد من البلدان حول العالم، قدرتهم على تحقيق التغيير الإيجابي. ففي المجتمع الإماراتي شكلوا قوة دافعة وراء التحول الذي تشهده الدولة. واضاءت الدكتورة سدرة راشد المنصوري، عضو مجموعة الشعبة البرلمانية للمجلس الوطني الاتحادي في الاتحاد البرلماني الدولي، في مداخله للشعبة البرلمانية الإماراتية خلال مناقشة موضوع «بشأن مكتب الأمم المتحدة للشباب الجديد: ضمان مشاركة أعمق مع الشباب» أن الشباب يؤدون دوراً أساسياً في تحقيق التنمية المستدامة، وبناء السلم وصناعة المستقبل، فالشباب هم رهان الحاضر والمستقبل، وشركاء أساسيين في التنمية واستدامتها، حيث تسهم مشاركة الشباب في تسريع وتيرة الإبداع والابتكار والتحول الرقمي، وتبني سياسات وتشريعات محورها الإنسان. اذا هذا التحول الذي يلامس كل القطاعات، متقاطعاً مع كل الشرائح. فمن خلال مبادراتهم المبتكرة ومشاركتهم الفعالة في الحياة المجتمعية، يساهمون في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف السادس عشر. إن جائزة محمد بن زايد للتميز هي أحد الحوافز لمواصلة تقديم إسهاماتهم القيمة، وتأكيد على أن الإمارات تستثمر في شبابها كقوة حقيقية لبناء المستقبل ساهم الشباب في بناء السلام من خلال مبادرات التطوع والعمل التطوعي، مما أدى إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع. إن مثل هذه المبادرات تثبت أن الشباب هم شركاء أساسيين في بناء مستقبل أفضل، وأن الاستثمار فيهم هو استثمار في المستقبل.
يتجسد هذا الهدف ايضا في التجربة الماليزية. فالتنوع الثقافي الغني في ماليزيا، الذي اكد مهاتير محمد على أهميته بقوله: “التنوع هو قوتنا”. فمن خلال تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف المجموعات، وتشجيع مشاركة الشباب، استطاعت ماليزيا أن تبني نموذجًا يحتذى به في التعايش السلمي.
نجاح ماليزيا في بناء مجتمعات مسالمة وشاملة هو نتيجة لتضافر جهود الحكومة والشعب والمجتمع المدني، بالإضافة إلى الرؤية الثاقبة للقادة. هذه التجربة تقدم نموذجًا يحتذى به للعديد من الدول التي تعاني من التنوع الثقافي، حيث أثبتت ماليزيا أن التنوع يمكن أن يكون قوة دافعة للتقدم والازدهار. وهذه نتيجة سياسة تعليمية دامجة ومؤشر على ذلك هو وجود أكثر من80جامعة ماليزية حكومية وخاصة تصنّف أكثرها في مرتبات عالية عالميا، والدولة معتمدة على النظام التعليمي البريطاني.
سياسة التعليم الشامل: مفتاح لبناء مجتمعات مسالمة وشاملة في كوستاريكا
لتحقيق مجتمعات مسالمة وشاملة، لا بد من الاستثمار في الشباب، فهم عماد المستقبل وقوته الدافعة. إن تمكين الشباب من المشاركة الفعالة في صنع القرار وبناء مجتمعاتهم هو استثمار طويل الأجل يعود بالنفع على الجميع. تتطلب هذه المهمة تضافر جهود الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص. فالحكومات عليها أن تلعب دورًا محوريًا في وضع السياسات والاستراتيجيات التي تدعم الشباب وتمكنهم من تحقيق طموحاتهم، بينما يمكن للمجتمع المدني أن يقدم برامج تدريبية وتوعوية للشباب، والقطاع الخاص بدوره يمكنه أن يساهم في توفير فرص العمل والتدريب. إن دعم الشباب ليس مجرد عمل خيري، بل هو استثمار في المستقبل. فهم القوة العاملة التي ستقود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهم الذين سيصنعون مستقبل بلدانهم.
ولضمان استدامة هذا الاستثمار، يجب أن نركز على سياسات تعليمية شاملة. التعليم ليس مجرد وسيلة للحصول على وظيفة، بل هو أداة لبناء المواطنة، وتعزيز الحوار، وتنمية التفكير النقدي. عندما يكون التعليم متاحًا للجميع وبجودة عالية، فإن ذلك يساهم في تقليل الفجوات الاجتماعية، وبناء مجتمعات أكثر تماسكًا، ورفع من الناتج القومي والوطني إضافة الى نقل البلاد الى مرحلة إنتاجية.
كوستاريكا تقدم لنا مثالًا ناجحًا في هذا الصدد. فقد استثمرت كوستاريكا بشكل كبير في التعليم العام، وجعلت التعليم إلزاميًا حتى سن الخامسة عشرة. كما أنها ركزت على تطوير المناهج الدراسية لتعزيز القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتشجيع الحوار والتسامح. نتيجة لذلك، حققت كوستاريكا مؤشرات عالية في مجال التعليم، وانخفضت معدلات الجريمة والعنف، وزادت معدلات المشاركة السياسية.
الشباب في قلب العاصفة: تحديات وبصمات في بناء مجتمعات مسالمة
تعيش هذه الشريحة في عالم متسارع التغير، مليء بالتحديات التي تهدد مستقبلهم ومستقبل مجتمعاتهم. ويضج بكل فرص التنافس، في الرياضة، والترفيه، والتكنولوجيا. وفي ظل التوترات العالمية المتزايدة، والصراعات المسلحة، وانتهاكات حقوق الإنسان، يزداد هذا التحدي تعقيدًا. فالشباب، وهم عماد المستقبل وقوته الدافعة، يجدون أنفسهم في قلب هذه العاصفة، يحاولون بناء مجتمعات مسالمة وشاملة في ظل ظروف بالغة الصعوبة.
يشعر العديد من الشباب بالإحباط والتهميش، فهم يرون أن صوتهم لا يُسمع وأن قرارات مصيرية تتخذ دون مشاركتهم الفعالة. طامحين إلى عالم أكثر عدالة ومساواة، ولكنهم يواجهون عقبات كثيرة تحول دون تحقيق طموحاتهم. من أبرز هذه التحديات البطالة والفقر، اللذان يدفعان بالعديد من الشباب إلى اليأس والإحباط، ويدفعانهم أحيانًا إلى الانخراط في أعمال عنيفة أو أنشطة غير قانونية. كما أن التطرف والإيديولوجيات المتشددة تشكل تهديدًا خطيرًا على مستقبل الشباب، حيث تستغل بعض الجماعات المتطرفة ضعفهم وقلة فرصهم لتجنيدهم في أعمال تخريبية ضد الدولة، وانشاء ميليشيات مسلحة كما كانت الحال في باب التبانة وجبل محسن، وهي منطقة في لبنان، في قلب طرابلس. وكانت مصدر وحي لجمعية “مارش” لتنشئ مبادرة قائمة على اللاعنف. مشروع مارش هو مبادرة مدنية لبنانية تهدف إلى بناء السلام وبناء جسور التواصل بين المجتمعات المتنوعة، خصوصًا في المناطق التي شهدت صراعات وتوترات طائفية. وقد وجد هذا المشروع تربة خصبة للتطبيق في منطقتي باب التبانة وجبل محسن في طرابلس، اللتين عانتا من صراعات متكررة. من الأنشطة للمشروع، مسرحية “حب وحرب على السطح”: شارك فيها شباب من باب التبانة وجبل محسن، حيث قدموا قصة حقيقية عن الصراع والسلام في منطقتهم، مشروع “قهوتنا”: افتتاح مقهى مشترك للشباب من المنطقتين، لتوفير مساحة للحوار والتواصل، مشروع ترميم الشوارع: مشاركة الشباب في ترميم الشوارع التي تضررت من الصراعات.
تعتبر تونس مثالاً حيًا على تحديات الشباب في الوطن العربي. فبعد الثورة التونسية، التي قادها الشباب وضحى من أجلها الكثير، يواجه الجيل الجديد تحديات جديدة، من أهمها البطالة والفساد وتدهور الخدمات العامة. ورغم الإنجازات التي تحققت في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن الشباب التونسي لا يزال يطمح إلى المزيد، ويطالب ببناء دولة عادلة ومزدهرة.
لتجاوز هذه التحديات، يتم العمل لتمكين الشباب وتوفير الفرص لهم للمشاركة الفعالة في بناء مجتمعاتهم. ويستثمر في التعليم والتدريب المهني، ويتم تشجيع المبادرات الشبابية، وتوفر منابر للحوار والنقاش في مختلف المجالات ليكون المجتمع المدني منصة كما عالم الاكاديميا. كما يتم العمل على تعزيز ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان، ومحاربة التطرف والكراهية.
الدنمارك: نموذج مشرق في تمكين الشباب
تُعتبر الدنمارك مثالاً يُحتذى به في كيفية ربط مكافحة البطالة بين الشباب بزيادة مشاركتهم الفعالة في بناء مجتمعات مسالمة وشاملة. فمن خلال مجموعة من السياسات والبرامج المستدامة، تمكنت الدنمارك من تحقيق معدلات بطالة منخفضة بين الشباب، وتعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية والمجتمعية.
سر نجاح الدنمارك يكمن في تركيزها على تطوير التعليم والتدريب المهني، مما يضمن حصول الشباب على المهارات اللازمة لسوق العمل المتغير باستمرار. كما أن دعم ريادة الأعمال وتوفير البرامج التدريبية على العمل يساهم في تمكين الشباب من إنشاء مشاريعهم الخاصة أو الانخراط في سوق العمل بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، تشجع الدنمارك الحوار الاجتماعي بين أرباب العمل والنقابات والحكومة، مما يؤدي إلى اتفاقات عمل عادلة تحمي حقوق العمال وتضمن استقرار سوق العمل.
نتيجة لهذه السياسات، يشعر الشباب الدنماركي بالاستقرار المادي والنفسي، مما يزيد من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على المساهمة في مجتمعاتهم. كما يوفر للشباب منصة للتفاعل مع الآخرين وتبادل الأفكار، مما يساهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشباب العاملون يكونون أكثر وعياً بحقوقهم ومسؤولياتهم، مما يجعلهم أكثر قدرة على المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.
إن وجود عمل مستقر للشباب ليس مجرد مصدر للدخل، بل هو عامل أساسي في بناء مجتمعات قوية، وتجنيبهم معاناة اجتماعية وإبعادهم قدر المستطاع عن الانحرافات التي تولدها الصعوبات الاقتصادية والضغط النفسي. فالشباب العاملون يشعرون بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، منتجون، وأن لهم دورًا مهمًا في بناء مستقبله المجتمع، والتاثير، وتحديد اهداف في أجندة التقدم الوطنية. هذا الشعور بالانتماء يدفعهم للمشاركة في الأنشطة التطوعية، والعمل المدني، والتصويت في الانتخابات.
إن الاستثمار في الشباب هو استثمار في المستقبل. فالشباب هم القوة الدافعة للتغيير، وهم الذين سيصنعون عالمًا أفضل. علينا أن نمنحهم الثقة والدعم اللازمين، وأن نوفر لهم الفرص التي يحتاجونها للنمو والازدهار. فبذلك نكون قد استثمرنا في أنفسنا وفي أجيال المستقبل.