في بلاد العم سام وأكثر الدول انفتاحا في العالم، الأمور ليست في ظل الديموقراطية «سداحا مداحا» ولا «هيّ فوضى؟» كما في الفيلم المصري الرائع للنجم الراحل الكبير خالد صالح.
لا فرق بين عالم أول وثالث، ولا شرق وغرب أو شمال وجنوب عندما يتعلق الأمر بالسلامة العامة والنظام والقانون والأمن. لا يمكن السماح بالفوضى لأنها مرعبة وتخرج أسوء ما في الإنسان مما قد يكون أكثر توحشا من الجوارح والكواسر.
في بريطانيا قرر رئيس وزراء قبل سنوات في أزمة، قرر قطع الإنترنت للحد مما وصفته الحكومة بالتضليل والتحريض. في فرنسا وعدد من الدول الأوروبية، وأمريكا بجلالة قدرها كمنارة للحرية، تم استخدام القوة الخشنة لوقف خروج الأمور عن السيطرة كما كان قبل سنوات -إبان الرئيس المعشوق من قبل تيار العولمة واليسار، الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما، عندما قمعت قوات إنفاذ القانون وإحلال النظام، قمعت وعلى الهواء مباشرة، قمعت ونكّلت بمتظاهرين عنيفين وصفوا بالفوضويين أمام تمثال الثور الجامح في شارع وول ستريت الشهير في المدينة التفاحة، نيويورك العاصمة المالية والاقتصادية للعالم، أقر معادو أمريكا بذلك أم أنكروه.
بعيدا عن السياسة وبصدق وتجرّد، أتمنى على الأقل مواصلة القراءة والمشاركة بعيدا عن الأحداث اليومية والعقائد والأيدولوجيات، أيا كانت. وأتساءل بمعية القراء الكرام، هل ما يشهده عدد من الساحات الدولية قابل للاستمرار على النحو الحالي؟ أم أن الأمور ذات عواقب وخيمة، وعلى الجميع تحمل المسؤولية، بصرف النظر عن الموقف من تلك الأحداث وما يرافقها من تنظير وتأطير وتحشيد. أمن الناس وقوتها أهم وأكبر وأولى بالرعاية من الرعاة كافة، من الوالدين وحتى أعلى قمة الهرم السياسي. هذه أمانة في أعناقنا جميعا نتحملها، وليس منا في عالم اليوم قادر أن يقول «ما نلاش دخل»، لا يجدي النأي بالنفس نفعا هنا. والنجاة قد لا تكون إلا باتخاذ موقف قطعيّ الثبوت والتوضيح الجلي، حتى وإن كان غير شعبي ولا يطرب له الشعبويون من فاقدي النظر أو الرؤية أو الأمانة. لا مبالغة في ذلك فقبل نحو عقدين تم استغلال قضية كبرى بالتسويق لبضائع تنتجها دولة في الإقليم صارت منتجاتها رائجة في بعض الدول المستهلكة إلى حد إيذاء المنتج الوطني بفتح التاء وكسرها.
ما يجري في غزة هاشم الحبيبة منذ السابع من أكتوبر كارثة، وتداعيات حربها جميعها كارثية. قرأت على مدى عام وتابعت مؤخرا عن قرب، ما يزيد الوجع الوطني والقومي والإنساني، فيما يخص أرزاق الناس وأمنهم وكراماتهم. ما حل بدول الإقليم وخاصة الجوار «خراب بيوت وخراب ديار». لا بد من الإسراع في تفكيك الأزمة، على الأقل في الفصل بين مساراتها وتداعياتها أيضا. الدعم والإسناد والمؤازرة لا يعني أبدا تعطل الحياة ولا توقف عجلة الإنتاج، وقطاعات بأهمية السياحة والنقل والتجارة والعقارات بحاجة إلى اهتمام خاص ورعاية خاصة. تركيز عاجل وفي الصميم، لا يتلفّت فيه صانع القرار من القطاعين الخاص والعام لأي اعتبار كان، سوى الإنقاذ والإنعاش. صحيح أنه «بالمال ولا بالعيال»، لكن بعض المال ينقذ العيال ويصلح حالهم. والمعيل أي معيل مساءل أمام الله وأمام ضميره فيما بذل أداء للواجب وحفظا للأمانة.
كل ممارسة تزيد من التوتر أو تتسبب بالتأثير سلبا على صورة الأردن المفدى أو إمكاناته خاصة السياحية والاقتصادية والاستثمارية لا بد من مواجهتها بقوى تدرجية ناعمة وحتى الخشنة، فقد بلغت الخسائر في بعض المنشآت والشركات الرأسمالية الوطنية وإن كانت بعلامة تجارية عالمية مبلغ العظم. عليهم جميعا أن يتقوا الله بالأردن وبالأوطان كافة من غزة إلى الضفة إلى لبنان وساحات عربية أخرى. عليهم أن يخافوا الله فيمن آواهم وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، وليقرأووها كيفما شاؤوا فهي تعني الجميع، تعنينا كلنا. ارحموا الأردن الحبيب الذي ما خذل قريبا ولا بعيدا أبدا.. والأمل معقود بالأردنيين أولا، ومن ثم الأشقاء والأصدقاء الذين ما فتئوا يؤكدون حبهم وإعجابهم بالأردن، فلا بد من مناد بصوت جهوريّ بأن كفوا الأيادي والأنفاس واقطعوا دابر الأشرار التي تنفخ في الكير، تنفخه وتبثه عن بعد باسم التباكي والمؤازرة عن بعد أيضا، فأسواقهم ومولاتهم لا مولى لها إلا عملاتهم الوطنية..
لا بد من قولها بصوت جهوريّ* بشار جرار
4
المقالة السابقة