المراجعة الأخيرة لبعثة صندوق النقد أثارت بعض التساؤلات لدى الرأي العام حول أهميتها البالغة في هذه الفترة، رغم أنها متكررة ومبرمجة في كل البرامج السابقة، فما الجديد الذي جعلها أكثر خصوصية وأهمية من غيرها؟
أهم هذه الأسباب أنها جاءت في وقت قياسي، وقبل موعدها بخمسة أيام، في الوقت الذي كان يراهن البعض على أنها لن تتم إلا وفق شروط وإجراءات صعبة نتيجة تراجع إيرادات الخزينة، وهذا لم يحدث أبداً.
النقطة الثانية أنها جاءت في عهد حكومة جديدة وتعيين وزير مالية جديد، وبالتالي تجاوزت هذه المراجعة أي شخصية رسمية كانت تعتقد أن الحل والربط بيدها مع صندوق النقد الدولي، وهو ما أثار إعجاب بعثة الصندوق بمأسسة العلاقة معه دون النظر إلى الأشخاص.
المراجعة أعطت طمأنينة للمستثمرين والمودعين بأن أموالهم في أمان، وأن دينارهم قوي، وأن سياسة البنك المركزي المتبعة تعد لاعباً أساسياً في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي عامةً والنقدي خاصةً، وأنه نموذج مهم في عملية الإصلاح والإدارة الرشيدة والحوكمة العالية، ليقطع بذلك الطريق على كل من تسوّل له نفسه بث الإشاعات حول الدينار أو الجهاز المصرفي، الذي يعتبر من أقوى وأفضل الأجهزة المصرفية في المنطقة.
تتيح المراجعة للأردن أن يستفيد من قرار صندوق النقد الأخير بتخفيض كلفة الاقتراض عليه بواقع 36 %، وهو ما سيؤدي حتماً إلى انخفاض خدمة الدين الأردني للصندوق بواقع 26 مليون دولار على أقل تقدير في سنة 2025.
لا شك في أن المراجعة الأخيرة ستتيح للأردن مساحات مالية في الأسواق المالية العالمية للحصول على تسهيلات بأسعار فائدة أقل، وهو ما سيمكن الأردن من خفض أعباء خدمة الدين عليه في المستقبل القريب، والأهم من ذلك كله أن الأردن سيكون قادراً على مواجهة أي التزامات خارجية دون أي ضغوط، حيث من المتوقع أن تكون أمام الخزينة فرصة لتمويل أول سندات يوروبوند مستحقة عليها بقيمة مليار دولار في شهر نيسان المقبل، فالمراجعة توفر للحكومة المظلة التمويلية لهذا الاقتراض السريع.
الاتفاق مع الصندوق في هذه المراجعة يعطي دفعة قوية للمملكة للحصول على مساعدات خارجية تساعدها على تمويل احتياجاتها المالية المختلفة، فقد شددت بعثة الصندوق في بيانها الأخير بعد المراجعة على ضرورة استجابة المانحين لدعم الاقتصاد الأردني الذي يواجه ضغوطات خارجية كبيرة تؤثر على عمليات الإصلاح المالي نتيجة تحمل خزينته أعباء مالية جسيمة جراء استضافة اللاجئين وتلبية متطلبات إنسانية على مستوى منطقة الشرق الأوسط التي تشوبها الصراعات والنزاعات العسكرية.
الأسباب السابقة تؤكد أن المراجعة الأخيرة لها أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، خاصة وأنها تأتي قبيل أسابيع قليلة من إنجاز مشروع قانون موازنة 2025، الذي بات على أبواب البرلمان مع نهاية الشهر المقبل.