قلة هم السياسيون والمثقفون العرب، الذين يجمع كل من عرفوهم أو قرأوا لهم، على تميزهم ومحبتهم، حتى لو اختلفوا معهم في المواقف والآراء..
وكان من بين أبرز هؤلاء الزميل والصديق الراحل فخري قعوار، الذي انتقل الى رحمة الله قبل أيام، وربما بسبب ذلك كان الكاتب والأديب الأردني الوحيد، الذي انتخب أمينا عاما للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، فضلا عن علاقاته الواسعة في الأوساط الثقافية العربية.
جمع الراحل بين أجناس أدبية وصحفية عديدة، فكتب القصة القصيرة ومن بينها «لماذا بكت سوزي كثيرا» و”الحب الأزرق» و”أنا والبطريك»، و”لعب الشطرنج»، كما كتب مسلسلات اذاعية عديدة، وتميز أيضا بكتابة المقال الصحفي بأسلوب واضح وسهل، يركز على شؤون الناس وهمومهم اليومية، في عموده الشهير في صحيفة الرأي «شيء ما». وعندما فاز في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 1989، كان أداؤه متميزا، جريئا في قول الحقيقة، مدافعا صلبا عن حقوق الناس ومطالبهم المعيشية، لم يخضع للاغراءات، وعندما ترشح للانتخابات طرح شعارا مميزا، ويحمل دلالات عميقة هو «الخبز والحرية”!
وأنا شخصيا مدين للمرحوم، بأنه كتب مقدمة كتابي «النفاق والسلطة»، الذي صدر عام 1995، وكان الراحل في ذلك الوقت رئيسا لرابطة الكتاب الأردنيين، أمينا عاما للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وهذا بعض ما كتبه على الغلاف الأخير للكتاب:
أتيح لي في السنوات الماضيات، أن أرى بنفسي، ملامح من النفاق، في أقطار عربية عديدة، زرتها، والتقيت فيها مع شخصيات رسمية أو شبه رسمية، بلغت ذروتها، عندما كان أحد الوزراء العرب يتحدث لي بحماسة فائقة عن أهمية عبارة قالها رئيس الدولة، وهي عبارة يدعو فيها الى الاهتمام بالتعليم! وعندما قلت له إن كثيرين قبل رئيس دولته قد دعوا الى جعل التعليم كالماء والهواء، أساسيا في حياة الشعوب، فظهرت على الرجل اشارات غضب، وكأنه يريد أن يشطب طه حسين ومحمد عبده وعلي عبد الرازق والكواكبي والحصري وغيرهم.
أتيح لي أن أرى صورا هائلة أو فظيعة من النفاق للسلطة، وخطر لي أن أرصد ذلك في سلسلة مقالات تعالج الظاهرة على الصعيد العربي العام، بعد أن كتبت مقالة ذات عام، عنوانها «السلسبيل الرقراق في أصول فن النفاق»، وعنيت بها النفاق على الصعيد المحلي الأردني.
وحين أطلعني الزميل الكريم الاستاذ أحمد ذيبان الربيع على مخطوطة هذا الكتاب، وجدت أنه سحب مني كل مبرر للكتابة عن النفاق، سواء أكان نفاقا للسلطة أو نفاقا اجتماعيا أو خلاف ذلك.
ولا أذكر أن أحدا من كتابنا العرب، سبق الصديق أحمد الى تناول ظاهرة النفاق على هذا النحو من الشمول والاتساع والتفصيل، في حدود المحافظة على التكثيف اللازم لمعاونة القارئ على الاستمرار في القراءة، مستعينا على قضاء حاجته بمراجع مهمة لمفكرين ودارسين عرب معروفين ومن ذوي المكانة المرموقة.
رحم الله الزميل فخري قعوار وأسكنه فسيح جنانه، والعزاء الحار الى أسرته الكريمة، زوجته وأبنائه وأشقائه وشقيقاته وأصدقائه وزملائه ومحبيه.
والعزاء الأكبر أن ما تركه، من ارث ثقافي وسياسي واجتماعي، ومواقف وطنية وعروبية يبعث على الاعتزاز.