أحياناً يبدو المشهد لدى بعض من الرأي العام ملتبساً في خياراته وانحيازاته حين يكون صراع النفوذ محتدماً بين إسرائيل وإيران خاصة مثلما يحدث اليوم في لبنان وبعض ردود الفعل الإيرانية على كسر اسرائيل للهيبة الإيرانية بتدمير قنصليتها في دمشق او اغتيال اسماعيل هنية وقتل حسن نصر.
العقل والوعي والشارع العربي يقف حائراً لان الحالة العربية المتردية امام مشروعين؛ أولهما المشروع الصهيوني الذي يحتل أرضاً عربية ويرفض سلاماً حقيقياً مع الفلسطينيين ويرفض إعطاءهم حقوقهم وعلى رأسها الدولة الفلسطينية ويمارس منذ عام عدواناً على غزة بكل تفاصيله من تدمير ونزوح وقتل واحتلال.
وعلى الجانب الآخر مشروع فارسي يمارس استغلال القضية الفلسطينية عبر الخطاب السياسي والإعلامي ودعم لبعض القوى الفلسطينية والعربية لتكون قادرة على ان تكون مخالب قوية له في صراع النفوذ، ويستعمل الطائفية وولاية الفقيه لتكوين ميليشيات ذات ولاء مطلق للمشروع الفارسي، وفي آخر عام من العدوان على غزة غضب مرتين واطلق صواريخ انتقاماً لسمعة ايران وليس من أجل فلسطين وغزة.
في ساحتنا الإقليمية مشروع يحتل فلسطين ويهجر شعبها ويرفض إعطاءهم الحقوق الوطنية والسياسية على أرضهم، ومشروع «يركب موجة» مناصرة فلسطين لكن الهدف خدمة مشروع فارسي قومي، وعندما يشتبك المشروعان في صراع نفوذ كما هو الحال في هذه المرحلة فان الرأي العام حولنا يظهر فيه من ينحاز الى اي مسار يؤذي اسرائيل، وجزء يقف محتاراً لا يستطيع حسم خياراته، وجزء مدرك لحقيقة المشروعين وانهما مصدر خطر؛ الاول لعدوانه واجرامه واحتلاله الارض العربية، والآخر لانه يعمل وفق اجندته القومية وتحت شعار ايران اولا ويستعمل قضية فلسطين وجزءاً من الشيعة العرب وغايته ان يقضي على فكرة الدولة في الدول التي ينجح في اختراقها ويبني ميليشيات تخدمه وتأتمر بتوجيهات الحرس الثوري والمرشد الأعلى.
حين ندرك طبيعة المشروعين نكون اكثر قدرة على الاختيار فالعداء واضح وعميق للاحتلال الصهيوني ومشروعه التوسعي ومخططاته العدوانية، وأيضاً عداء للمشروع الفارسي الذي يستعمل القضية الفلسطينية ويبني ميليشيات لخدمة مشروعه ويعمل على تدمير الدول التي ينجح باختراقها وتحويلها أمنيّاً وعسكريّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً الى حدائق خلفية لايران، وفي الطريق قتل عشرات آلاف العرب والمسلمين على ايدي ميليشياته في الدول التي سيطر عليها.. وهذا ليس افتراضاً ويكفي كل منصف ان يدرس ما يجري في كل الساحات التي تحت هيمنة الحرس الثوري الفارسي.
هو صراع نفوذ ليس من الحكمة ان نقدم دولنا وقوداً له، ولا ان نفتح دولنا ساحات له؛ فكما ان اسرائيل دولة احتلال وعدوان فان المشروع الفارسي خطر على دولنا واستقرارنا، وهما طرفان يقتتلان ليوسع المنتصر نفوذه في الإقليم.