ليست المتلازمة بمصفوفة لكن «الماتريكس» هو عينه. ثمة ارتباط شرطي، علاقة منطقية تقوم على المقدمات والنتائج. لا تتغير إلا بمعجزة. والمعجزات ليست بأيدينا، فما هي إلا تكريم رباني لأحد خلقه، ولذلك أسباب وشروط.
قبل يومين أشرت في مقالة «متلازمات صار لازم نخلص منها» إلى متلازمة الملامة والشكوى، وقد كرستها لانتقاد السوداوية والسلبية واللا أبالية انتقادا بنّاء، وكثير من البناء ما يلزم هدم القديم المتهالك أو القديم البالي القائم على أسس آيلة إلى السقوط، أي هدم ما ثبت بطلانه. ف «الحق (دائما) أولى أن يُتّبع»..
لا أتحدث عن أحداث سياسية كحربي غزة ولبنان، ولا عن أحداث اقتصادية-اجتماعية، ولا حتى رياضية كمباريات أولمبية أو حتى الودية. المنطق واحد ولا يقوم إلا على الواقع. حتى الافتراضي منه له شروطه وأسبابه، أسباب نجاحه وفشله، عابرا كان أم مستداما مؤثرا.
في الطب ومن قبل في الإيمان والعقائد، لا يستقيم إيماننا ولا يصلح علمنا وعملنا إلا إن أحسنا التشخيص. تلك دراية وخبرة ومهارة لا تقوم إلا بما هو واقعي حقيقي بعضه قابل للقياس كما في العلوم «الإمبريقية» كالحساب والفيزياء والكيمياء، وبعضه قابل للأخذ والرد كما في العلوم الإنسانية. من المعقول مثلا الخلاف والاختلاف -وفي ذلك رحمة لا بل وفوائد جمة- الخلاف على تعريف العدالة الاجتماعية، الاختلاف والخلاف على معايير نجاحها أيضا، لكن من غير المعقول ولا المقبول أن نختلف على الخير المطلق والشر المطلق إن وجدا، فذلك أيضا نسبي وقابل للسجال والجدال.
أمثلة سريعة: من أسباب القوة -ما دمنا نؤمن بالأخذ بها والإعداد لها «أعدّوا» – من أسبابها الحرية من أي ضغوط أو قيود أو محددات. من أسبابها أيضا وضوح الرؤية والتي لا تتحقق إلا بالبوصلة والمرساة قبل السفينة وشراعها. غير ذلك يكون الضعف وأكثر أسباب الوهن انتفاء الواقع نفسه ألا وهو الوهم. التعاطي مع الوهم لا يفضي إلا إلى الوهن. والانفصال عن الواقع ليس ببعيد عن صورة الإدمان الذي ندينه جميعنا خاصة بعد ثبوت استخدام جماعات الأشرار للإرهاب وللمخدرات (إرهاب المخدرات) كأداة من أدوات الاختراق، خاب مسعاهم وجعل كيدهم في نحورهم من أي اتجاه حاولوا التسلل وفي أي بلاد كانت مراتعهم وأوكراهم.
هذه المتلازمة -الوهم والوهن- ليست ببعيدة عما سبقها في مقالة الخميس، فثمة حلقة مفرغة شريرة مربوطة أيضا بمتلازمة الملامة والشكوى. هي السلبية والسوداوية التي تحيل الأبيض إلى أسود ولا ترى ألوانا أخرى بسبب ضعف رؤية صاحبها أو انعدامها سوى المناطق الرمادية التي لا تحسم شيئا.
من أراد القوة مثلا اقتصاديا، عليه بسد العجز والاكتفاء ومن ثم الاستثمار والنماء فالرخاء، عليه أن يصلح موازنته الشخصية والمنزلية والأسرية-العائلية قبل أن يشكو ويلوم حزبا أو حكومة أو برلمانا. عليه أن يقول لنفسه وللآخرين بيتي أولا وطني أولا..
من أراد القوة السياسية، عليه بنفسه، فيصلح من قدراته على تشخيص المصالح لنظام حياته وأسرته وحزبه قبل أن يوسع البيكار و»يكبّر راسه وحجره»، فيشكو مجلس الأمن أو يلوم الجامعة العربية ومؤتمر التعاون الإسلامي وناتو وبريكس!
من أراد القوة والمنعة الاجتماعية والثقافية، قد يكون من اللازم إعادة النظر ببعض الاشتراكات ويختار مثلا «بيروفلكس» بدلا عن «نيتفليكس» والقنوات الأردنية الوطنية بدلا مما هب ودب خاصة تلك الأفاعي التي ثبت كذبها من حروب سابقة. والمنصة الأولى بالمناسبة موقع أسسته مجموعة من المسيحيين المحافظين يحذف جميع المشاهد التي تتضمن إباحية أو عنف بالصوت أو الصورة.
الحل بسيط، قاله الراحل العظيم، سيدنا الحسين الباني طيب الله ثراه وكتب مقامه في عليين: الإصلاح يبدأ بالنفس..
متلازمة الوهم والوهن* بشار جرار
4