عروبة الإخباري –
في ظل دولة يكفل دستورها حرية التعبير والرأي وفقًا للقانون، تُعد هذه الحقوق حجر الأساس في بناء مجتمع ديمقراطي ومنفتح. ومع ذلك، ما شهدناه مؤخرًا في المظاهرات الأسبوعية في الأردن يمثل انحرافًا خطيرًا عن الأطر المشروعة للتعبير عن الرأي. ما بدأ كمظاهرات سلمية أصبح منصة لخطاب سياسي يحمل في طياته أجندات خارجية تهدد الأمن الوطني وتقوض سيادة الدولة!
أحد مظاهر هذا التحول هو الشعارات التي تُرفع تحت مسميات براقة مثل “نصرة غزة” أو “تحرير القدس”، وهي قضايا عادلة في ظاهرها، لكن عند التعمق نرى أن تلك الدعوات تستغل هذه القضايا لتحقيق أهداف خارجية تُستخدم لإضعاف الأردن وزعزعة استقراره، كما أن الترويج لدعم حركات أو ميليشيات مدعومة من الخارج لا يعبر عن المصالح الأردنية، بل يخدم أهدافًا ضيقة لا تمت بصلة للأردن أو قضاياه.
الأخطر من ذلك هو الدور الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية في تضخيم هذه الشعارات وتوجيه اتهامات مبطنة ضد الأردن، مثل ما تم ترويجه حول “الجسر البري” أو مزاعم “إسقاط الصواريخ الإيرانية لحماية الكيان”. هذه الادعاءات الزائفة تهدف فقط إلى تشويه سُمعة الأردن والتشكيك في مواقفه وسياساته الخارجية، رغم أن الحقائق على الأرض تنفيها جملة وتفصيلًا. هذه الأكاذيب ليست إلا أداة بيد جهات خارجية تسعى إلى بث الفتنة وإشعال النزاعات في الساحة الأردنية.
وفي مواجهة هذه الحملة الممنهجة، تلجأ الأطراف التي تقف وراء تلك الادعاءات إلى التملص من المسؤولية، مدعية أن الهجمات الإعلامية تأتي إما من حسابات “وهمية” أو “وحدة 8200”. هذه الحجج المستهلكة تُستخدم للتغطية على الحقيقة، في حين أننا لا نسمع أصواتهم لأي قضايا أو أحداث تتعلق بإحباط تهريب المُسيّرات والمخدرات والأسلحة التي تحاول ميليشيات اختراق حدودنا الشمالية، والتي فقدنا فيها جنودًا في أكثر من مواجهة مع تلك الميليشيات!
ما يثير القلق أيضًا هو غياب أي مشاركة بناءة من تلك الأصوات في القضايا المحلية التي تهم المواطن الأردني. بينما تُرفع شعارات خارجية، تبقى القضايا الداخلية كالبطالة، والفقر، وتحديات الصحة والتعليم والنقل خارج دائرة اهتماماتهم. يستغل هؤلاء الأردن كساحة من أجل الـصراعات الإقليمية، بدلًا من الإسهام في تحسين الأوضاع الداخلية!
لهذا، بات من الضروري أن تتحرك الدولة الأردنية بحزم لوقف هذا التعدي على الفضاء العام والموقف الرسمي للدولة، كما يجب أن تتبنى السلطات استراتيجية شاملة تجمع بين فرض القانون بكل صرامة على من يحاول استغلال حق التظاهر لإثارة الفوضى، وبين توعية المجتمع بخطورة هذه الأجندات الخارجية، وكذلك تعزيز الرقابة على المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي مع التركيز على تفنيد الادعاءات بأساليب إعلامية متقدمة تكشف الحقيقة.
كما يجب على الأردن تعزيز التلاحم الوطني من خلال إشراك القوى الشبابية والنخب المثقفة ومؤسسات المجتمع المدني في حوار وطني شامل يُركز على مواجهة التحديات الداخلية، وتحصين المجتمع ضد الاختراقات الخارجية. وعلى الجميع أن يدرك أن بناء الوطن هو مسؤولية جماعية، وأن التحديات الحقيقية تكمن في معالجة القضايا الداخلية، وليس في الترويج لأجندات خارجية.
في الختام، حرية التعبير حق لا يمكن التنازل عنه، ولكن لا يمكن السماح بتحويله إلى أداة لضرب سيادة الدولة واستقرارها. الأردن، الذي أثبت قدرته على مواجهة التحديات، سيظل صامدًا طالما أن الشعب يقف موحدًا خلف قيادتنا الهاشمية التي تحمي الوطن ومصالحه العليا.