ما من حرب عشناها أو سمعنا بها إلا وخرج علينا من ينظّر حول قواعد الاشتباك. وما من مباراة تابعناها في الاستاد أو عبر الشاشات إلا وأتحفنا معلقو ومحللو الساحرة المستديرة بإن لكل لعبة وليس فقط ما نركله بالأقدام قواعدها وفقا للجان وطنية وقارية وأولمبية عالمية!
قد يريح البعض رأسه ويقاطع مباراة محكومة نتائجها سلفا سواء استخدمت تقنية «الفار» أم لا ما دام الحكم أو أحد مساعديه على الخطين «ذمته واسعة» حتى يصيح الجمهور «مبيوعة» ولا يملك الجمهور المقابل إلا النفخ بالأبواق وإطلاق أدخنة وشرارات «الشماريخ» وإن فشلوا في التعمية يتركون المدرجات ويخربون داخل الاستاد وخارجه عملا بقاعدة «يا لعّيب يا خرّيب» كما كانت هتافات الحارات عندما كان كأس البطولة في التصفيات حفلة كنافة «على الداير» من حبيبة، أو «عرانيس دراية» مسلوقة لا مشوية!
لكن في السياسة، خاصة خلال الحروب، وبعدها وأحيانا كثيرة قبلها، لا بد من سماع الآخر. حتى من يغرد خارج السرب من المفيد كثيرا الإنصات له إن كان ذلك التغريد خارجا على «ثقافة القطيع».
كتبت مرارا ولن أكفّ، عن الحاجة الماسة والعاجلة إلى تغيير قواعد الاشتباك في دنيا «التواصل» الاجتماعي. صحيح إنها ليست لعبتنا حتى نضع لها قواعدها ونطرد الخارجين عليها بالكرت الأحمر مع صافرة تخرق حاجز الصوت، لكن بأيدينا العمل على أكثر من جبهة ومن زوايا عدة لتحقيق الهدف بسهم لا يخيب عن حدقة عين الثور كما يقال بالإنجليزية «بُلْزْ آي»، فذلك الثور هائج ولا بد من إيقافه عند حده قبل أن يطيح الزارعين والحصّادين وعابري السبيل!
هذه ثلاثة أمثلة. من الماضي وفي قضايا منوعة. تقرأ بحنين أخبار الوطن من المهجر قبل طالع كل شمس. تجده في نسخة موحدة على منصات عدة ينبغي أن يراعى تنوعها. ما علينا، لذلك بحث آخر، لكن عندما تصل إلى مرحلة المشاركة في خبر عن موقف وطني أو تصريحات بشأن قضايانا، المشاركة بمعنى إعادة النشر، تراعي قراءة بعض التعليقات فترى ما ينغّص عليك فرحتك ويكبح جماح حماستك. تكتفي بإبداء الإعجاب «لايك» وتحجم عن التعليق حتى لا تعزز إساءة المسيء أو جوقة المسيئين من حسابات حقيقية خارجية على الأغلب أو وهمية تدعي أسماء نظنها أردنية أو من أي جنسية شقيقة أو صديقة، وحسابات «بوتس» المشغلة ذاتيا عبر غرف مظلمة ظلامية ظالمة. هل كسبنا «نوبل» حرية التعبير إن أبقينا على خانة التعليق؟ انظر إلى ردات أفعال أعرق الديموقراطيات عندما تمس خطوطهم الحمراء ماذا يحصل؟ الأمثلة صارخة دامغة تغنينا عن عرضها على من أراد أن يسمع ويرى.
المثال الثاني، غير سياسي، قضية اقتصادية تتعلق مثلا بانعكاسات الحروب ودعاتها من المهووسين بالتحزب والتخندق إلى حد تخوين وتكفير المعارض وحتى المحايد، انعكاساتها على رأس المال الوطني، على السياحة الداخلية والخارجية، تجد ثقال الظل ممن يظنون أنفسهم مؤهلين للتندر إلى حد التذمر فالتنمر، فتتساءل لم يدفع قطاع بأكمله سياحيا كان أم زراعيا أم تجاريا ما نعرف يقينا أنه حملة تستهدف كل ما هو أردني.
أما المثال الثالث وهو الأكثر إثارة للحنق والامتعاض والاشمئزاز فهي تعليق بالغ السمية والانحطاط على أخبار الأتراح والأفراح. يظن بعض أولئك وهم -ليسوا منا مهما زعموا وافتروا- يظنون أن الشتم والهمز واللمز «مقاومة أو ممانعة». ألا بئس ما يفعلون. هم المسؤولون قبل أي طرف آخر عن الإساءة إلى صورة العرب والمسلمين والشرق الأوسط كله أمام العالم. وللأسف ثمة من وجد ضالته باستخدام مقاطع وإعادة نبش جيف من الفضائيات والمنصات بما يسيء إلى مواقفنا الإنسانية والقومية والوطنية عبر بذاءات البعض وترهاتهم.
الخلاصة أنه ما دام الضرر فادحا ويعم ويدوم فإنه لا بد من تغيير قواعد الاشتباك واللعبة أيضا إن لزم الأمر. ما هو عرضة للخطر أكبر من الثرثرة والبهورة والمزايدة من أي طرف كان. ومن أراد العتاب من داخل الأردن المفدى أو خارجه، عليه أن يعلم ويتعلم أن صورة واحدة أو صوتا واحدا مفبركا يبثه جاهل أو جاحد هو بمثابة طلقة سامة بيد غادر أرعن، فإما إلقاء القبض عليه وإما تجريده سلاح التخريب وإما مصادرة طلقاته، وذلك أضعف الإيمان.