ما زلنا قابضين على جمر الإيمان بأن «الضيف، ضيف الله». لكن «الضيف الرّدي» ما أبقى للمضيف النشمي مكانا إلا واختبر فيه صبره على احتمال الأذى. بعض الأذى يبدأ بالجحود وبعضه الآخر يتمادى فيمعن باختطاف أجمل ما في مجتمعاتنا من أخلاق وآداب التواصل الاجتماعي في الأتراح والأفراح.
ظاهرة اجتماعية شهدتها مجتمعات تتميز بذلك التواصل الاجتماعي النابع من طيب الأصل وحسن المعشر. خصلة حميدة استغلها للأسف نفر قليل من الناس، لا يعدمون حيلة التسلل إلى أتراح الناس وأفراحهم لتحقيق مكاسب تبدأ بالطعام ولا تنتهي بكسب معارف -كضحايا جدد- يراد لهم الاستغلال بكل الأشكال المتاحة حتى وإن كانت مجرد الحصول على صورة صدفة تجمعهم ب «المعزّب» أو ما تيسّر من ضيوفه الكبار.
انقرضت بفضل الوعي تلك الظاهرة منذ سنوات، وفي بعض البلاد منذ عقود، لكن تسويق بعض الأجندات وإعادة تدوير حفنة من القائمين عليها، تسبب بظهور أعراض هذا الوباء مجددا، وتفشيه عبر أساليب أكثر خطورة وفّرتها منصات التواصل الاجتماعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
«التشميس» في هذه الحالة هو الحل، بمعنى عدم التردد في فضح ومن ثم عزل المتسللين إلى أفراحنا وأتراحنا بصفتهم ضيوف غفلة! هم في لحظة سهو -غفلة- أو مجرد صدفة صاروا في صدر الصيوان لا أطرافه! ومن المعلوم في موروثنا الروحي والاجتماعي أن صاحب الدار هو من يقدّم الناس في المجالس فينزلهم حيث يستحقون. صدر البيت للكبار قدرا وسنّا، فما بال «ضيوف الغفلة» يصرون على زحامهم واختطاف مجالسهم ومن ثم «هرجهم» بمعنى سردياتهم؟!
ليس سرا أن بعض متعهدي الأفراح والأتراح يلعبون تلك اللعبة من الأطراف كلها، فالأمر بالنسبة إليهم لا يعدو عن كونه إحصاء عدد الكراسي وما يلزم، لخدمة الضيوف بما يظهر كرم المعزّب. الخطر في أيامنا هذه، أن من بين المتعهدين -بالمفرّق والجملة- من يزاولون مهنا ذات صلة بصنع المزاج ومن ثم الرأي العام.
قد يكون من المناسب حرصا على مصالحنا، التخلّص بالأدوات الناعمة -والخشنة إن لزم الأمر- من الطرف الثالث ممثلا بالمتعهدين المقاولين أو المسوّقين السماسرة، تحت أي يافطة اشتغلوا، حتى وإن تقاطعت البرامج أو تطابقت المصالح، أو لعلها بدت كذلك، فكثير مما يجري على امتداد الشرق الأوسط وساحات أخرى مستهدفة دوليا، «كمن يأتي بالدبّ إلى كرمه». حينها فقط، ينكشف أمر «ضيوف الغفلة»، فإما الانسحاب بمبادرة ذاتية حفظا لماء الوجه، وإما المباغتة بطردهم شر طردة من قبل المعزّب النشمي وأهل النخوة..
ضيوف الغفلة!* بشار جرار
11