جرى الإعلان قبل أيام عن مقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله جراء غارات اسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت، ليضاف هذا الفعل الإجرامي إلى سلسلة الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها العدو الصهيوني، والتي وصل مداها إلى تصفية كبار القادة السياسيين والعسكريين.
ويبقى التساؤل الأبرز حول موقف القانون الدولي من جرائم الاغتيال ونطاق الحماية التي توفرها التشريعات الدولية للشخصيات التي تكون محل استهداف مباشر خلال المنازعات المسلحة. فالاغتيال السياسي أو ما يعرف «بالقتل خارج نطاق القانون» هي جريمة يجري التخطيط لها سرا وتنفيذها بشكل مفاجئ بحق فرد محدد أو جماعة من الأفراد بهدف تحقيق أهداف سياسية أو عسكرية أو أمنية معينة. فهي جريمة عمدية تصدر عن علم وإرادة مسبقة يرتكبها نظام مستبد أو كيان محتل بهدف التخلص من أشخاص بعينهم، والتي عادة ما يرافقها انتهاك صارخ للنظام السياسي للدولة التي يتم فيها تنفيذ هذه الجريمة.
وقد تعددت الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تجرّم هذا الفعل الجرمي وتؤكد حرمة اللجوء إلى عمليات الاغتيال السياسي. فهي ابتداء تعتبر جريمة حرب وفق أحكام نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، الذي ينص في المادة (8) منه على أن إحدى أهم صور جريمة الحرب القتل العمد للمدنيين، وتعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.
إن الاغتيال يشكل اعتداء صارخا على الحق في الحياة الذي يتمتع بحماية مطلقة في الشرائع السماوية والاتفاقيات الدولية؛ فالمادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 تنص صراحة على أن «الحق في الحياة هو حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا».
كما يعد الاغتيال السياسي انتهاكا لاتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949 التي تحظر في المادة (3) منها الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب لأشخاص لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية. كما تحظر المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف قتل الخصم أو إصابته أو أسره باللجوء إلى الغدر، حيث يعتبر من قبيل الغدر الأفعال التي تستثير ثقة الخصم مع تعمد خيانة هذه الثقة وتدفع الخصم إلى الاعتقاد بأن له الحق في أو أن عليه التزاما بمنح الحماية طبقا لقواعد القانون الدولي التي تطبق في المنازعات المسلحة.
وتتضمن الاتفاقية الخاصة باحترام القوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 نصوصا قاطعة تحظر الاعتداء على حياة المدنيين الذين لا يشاركون في العمليات الحربية، حيث تنص المادة (23) منها على أنه لا يجوز للمتحاربين قتل أو جرح أفراد من الدولة المعادية أو الجيش المعادي باللجوء إلى الغدر.
أما المسؤولية الجزائية الدولية المقررة على جرائم الاغتيال السياسي، فإنها تثبت أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي تعتبر صاحبة الولاية القضائية في ملاحقة مرتكبي هذا الفعل باعتباره جريمة حرب. فالمادة (25) من نظام روما الأساسي تنص صراحة على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على الأشخاص الطبيعيين الذين يرتكبون جرائم تدخل في صلاحيتها، والتي تشمل جرائم الحرب وجريمة العدوان وغيرها من الانتهاكات الجسيمة التي تمس بالأمن والسلم الداخلي للدول وتهدد السلام الدولي.
وعليه، فإن الدولة اللبنانية مدعوة اليوم إلى إحالة قضية اغتيال الأمين العام حسن نصر الله إلى المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من أن مدعي عام المحكمة يملك الحق القانوني في مباشرة إجراءات التحقيق من تلقاء نفسه بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. كما يمكن للدولة اللبنانية أن تطلب من مجلس الأمن الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية ويمارس صلاحياته المقررة له بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي تشمل اتخاذ تدابير مستعجلة لوقف هذه الانتهاكات وفرض عقوبات على المسؤولين عنها، بالإضافة إلى سلطة مجلس الأمن بتشكيل محكمة جنائية دولية خاصة لملاحقة الأشخاص المتورطين في جرمية الاغتيال.
إن استمرار إفلات الكيان الصهيوني من العقاب على جرائمه المستمرة من شأنه أن يقوّض مصداقية القانون الدولي لحقوق الإنسان ويهدد الأمن والسلم الدوليين، وهذا ما أشار إليه جلالة الملك في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله إن حصانة إسرائيل التي امتدت لعقود من الزمن قد غدت أسوأ عدو لها، وأن النتائج المترتبة على استثنائها من تطبيق القانون الدولي باتت واضحة في كل مكان.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة