شارك نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي في أعمال الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية، والتي عقدت على هامش أعمال الدورة التاسعة والسبعين لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم في نيويورك.
وألقى الصفدي كلمة الأردن خلال أعمال الجلسة، وقال خلالها، إن الحكومة الإسرائيلية لم تقتل الأطفال الفلسطينيين وتدمر بيوتهم وتحرمهم غذاءهم ودواءهم وأملهم فقط، شيطنتهم نزعت عنهم إنسانيتهم.
وأكد “لن نسمح بتهجير الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي إلى وطننا”.
وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية رفضت السلام. واختارت الحرب، وقتلت من الأطفال ما لم تقتل أي حرب منذ عقود.
وتالياً نص الكلمة:
“بسم الله الرحمن الرحيم،
معالي الرئيسة، الزملاء الأعزاء،
قبل أيام، تجرأت طفلة فلسطينية إسرائيلية أن تقول ما حرمته إسرائيل: الحقيقة. قالت إن في غزة أطفالاً يجوعون، لا بيوت بقيت لهم، فواجهت جحيم الكراهية التي زرعها التحريض الإسرائيلي العنصري المتطرف في عقول أطفال لم يتجاوزوا الثالثة عشرة من أعمارهم. هاجمها طلبة مدرستها في بئر السبع بتحريض من مُدرسة لهم. وبعد ذاك، طردتها إدارة مدرستها من المدرسة بتهمة التحريض، قبل أن تعدل القرار إلى وقفها عن الدراسة بانتظار تحقيق في الحادثة، تحقيق تدل السوابق أنه لن يكتمل أبداً، تماماً مثل حال التحقيق في قتل جندي إسرائيلي الصحافية الفلسطينية الأميركية، شيرين أبو عاقلة، التي مزق جندي إسرائيلي آخر صورة لها في مكتب قناة الجزيرة في رام الله بعد إغلاقه الأسبوع الماضي، في فعل يقدم شاهداً آخر على عمق الكراهية، وتحريم قول الحقيقة في إسرائيل.
احتفل الطلبة الذين هاجموا الطفلة بطردها من المدرسة بنشر فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي يكررون فيها تحريض الوزير الإسرائيلي المتطرف بن غفير، الذي كان عضواً في منظمة كانت الولايات المتحدة سابقاً صنفتها إرهابية: “أحرقوا قريتها.”
نائب رئيس بلدية مدينتها طالب بتهجير أسرة الطفلة. وحسب محامي الطفلة، يتلقى أفراد الأسرة يومياً تهديدات أن رؤوسهم ستقطع.
لم تقتل الحكومة الإسرائيلية الأطفال الفلسطينيين، وتدمر بيوتهم، وتفجر مدارسهم، وتحرمهم غذاءهم ودواءهم وأملهم فقط. شيطنتهم. نزعت عنهم إنسانيتهم. تربي أطفالها على كرههم، وجنودها على استهدافهم، ومجتمعها على إنكار حقهم في الوجود.
هذه هي العقائدية العنصرية اللاإنسانية التي جعلت من جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلين فعلاً يفخر به جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه هي الكراهية التي حركت أرجل الجنود الإسرائيليين التي ركلوا بها جثامين شباب فلسطينيين من فوق السطوح في الضفة الغربية، لتسقط أمتاراً نحو الأرض، ولتسقط ادعاءات أخلاقية قتلتهم.
شيطنت الحكومة الإسرائيلية الفلسطينيين، فمكنّت إرهاب المستوطنين ضدهم، وشرعنت سرقة أرضهم، وطغت في سلب حقوقهم.
حرب إسرائيل على غزة تبدي وحشي لهذه الكراهية. هي حرب تطهير عرقي إلغائية تستهدف محو الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية.
دلائل ذلك في الدعوات العلنية لوزراء إسرائيليين حرق الفلسطينيين، في تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه لن يسمح أبداً بتلبية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفي قرار الكنيست الإسرائيلي منع تجسيد الدولة الفلسطينية. ودلائله في همجية العدوان على غزة، في السياسيات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية واللاإنسانية التي سبقتها في كل الأرض الفلسطينية المحتلة: مصادرة الأرض وبناء المستوطنات، وحرق البيوت، وحصار الاقتصاد، والاعتداء على مقدسات القدس المحتلة الإسلامية والمسيحية ومحاولات تغيير هويتها العربية الإسلامية والمسيحية.
الزملاء الأعزاء،
خلال عدوانها المستمر على غزة، قتلت إسرائيل أكثر من واحد وأربعين ألف فلسطيني، ودفنت تحت ركام البيوت أكثر من عشرة ألاف طفل ورجل وامرأة، ومنعت عمن بقي منهم نازحاً في الخيم وأطلال المدارس والمستشفيات الغذاء والماء والدواء، ليموت الأطفال جوعاً، والأمهات عطشاً، والآباء قهراً. دمرت غزة لجعلها مكاناً طارداً لأهلها غير قابل للحياة. وتنفذ الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية المخطط ذاته. تدفعها إلى الانفجار، لتبرر شنّ حرب جديدة تستهدف إلغاء الوجود الفلسطيني فيها، ولتعد لتهجير أهلها منها.
تلك جريمة حرب لن يسمح الأردن بها. لن نسمح بتهجير الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي إلى وطننا.
قالها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين واضحة، حازمة، حاسمة: لن يكون الأردن وطناً بديلاً. لن يحدث هذا أبداً. سنحمي الأردن. وسنتصدى لأي تهديد لوطننا بكل ما أوتينا، ومهما تطلب ذلك الواجب المقدس . للفلسطينيين وطنهم المحتل الذي سيتحرر دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس المحتلة ولو بعد حين. والأردن لأهله، سيبقى منيعاً عصياً، وللحق الفلسطيني الداعم والسند.
دمرت إسرائيل غزة، وتفجر الضفة الغربية، وتستبيح لبنان، وتدفع المنطقة نحو حرب شاملة لأن العالم سمح لها بذلك.
تخرق الحكومة الإسرائيلية القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني لأنها لا تواجه عواقب انتهاكها لهما. ترتكب جرائم الحرب لأنها لا تحاسب عليها. تتحدى مجلس الأمن، وقرارات الجمعية العامة، وأحكام محكمة العدل الدولية لأن القانون الدولي يطبق انتقائياً فجعلها ذلك فوقه. تهدد الأمن والسلم الدوليين لأن مجلس الأمن لا يقوم بدوره، ولا يستخدم أدواته القانونية المتاحة للجمها.
رأي محكمة العدل الدولية بيّن لا يقبل التأويل. الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية غير قانوني. كل ما نتج عنه باطل. هذا الرأي يجب أن يستحيل واقعاً، تنفيذاً للقانون الدولي، وحماية لفرص تحقيق السلام. فالاحتلال هو الشر كله. هو سبب كل المآسي التي عاشتها وتعيشها المنطقة. هو الذي يدفعها نحو الهاوية، هو الخطر الأكبر.
الزملاء الأعزاء،
حكومة تجذر الكراهية والعنصرية في مجتمعها لا تريد السلام. والكراهية والعنصرية عدو المجبول عليهما، كما هما خطر على ضحيتهما.
تكذب هذه الحكومة الإسرائيلية على شعبها حين تدعي أنه محاط بمن يريد دماره. تهدد مستقبله حين تجعله أسير الخوف، وتحاصره في ضيق الكراهية والعنصرية، وتجعل من بلده دولة مارقة. فكل الدول العربية دانت قتل المدنيين الإسرائيليين. وكل الدول العربية تريد السلام العادل الذي قدمنا من أجل تحقيقه مبادرة شاملة تضمن أمن إسرائيل وقبولها في منطقتنا، في إطار حل ينهي الاحتلال ويضمن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة والحياة والدولة المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني.
لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت السلام. اختارت الحرب. قتلت من الأطفال ما لم تقتل أي حرب منذ عقود، فدخلت قائمة الأمم المتحدة السوداء لقتلة الأطفال. سجلت رقماً قياسياً في قتل موظفي الأمم المتحدة، وعاملي الإغاثة الإنسانية.
ولأن المجرم يخشى الحقيقة، قتلت الصحافيين، ومنعت الإعلام الدولي من دخول غزة، التي أحالتها ساحة أكبر جريمة حرب في التاريخ الحديث. ذاك أنه إذا دخل الإعلام الدولي غزة، سيكتشف العالم حجم الموت والدمار والظلم والبؤس الذين سمح مجتمعنا الدولي لإسرائيل أن تلحق بأهل غزة. حينذاك سيرى العالم حجم العار الذي سيعيب إنسانيتنا لأجيالٍ قادمة.
جريمة أن يسمح لحكومة عقيدتها التطرف ومنهجها القتل أن تسرق مستقبل المنطقة.
كفى. أوقفوا الظلم. افرضوا القوانين الدولية والقيم الإنسانية. كلكم تؤيدون قيام الدولة الفلسطينية على أساس حل الدولتين سبيلاً لتحقيق السلام العادل، ترجموا اقتناعكم واقعاً. اعترفوا بدولة فلسطين، وضموها إلى الأمم المتحدة عضواً كاملاً.
كلكم ترفضون الكارثة الإنسانية التي يفاقمها العدوان الإسرائيلي على غزة.
افرضوا إذاً وقف استخدام التجويع سلاحاً. اكسروا الحصار، ولبوا دعوة جلالة الملك فرض جسر إنساني مستدام يوقف موت الفلسطينيين جوعاً وعطشاً ومرضاً.
خطر سقوط المنطقة في أتون حرب إقليمية حقيقي يتفاقم كل يوم. أوقفوا هذا الخطر قبل فوات الأوان. في جعبتكم من الأدوات القانونية والسياسية والعملانية ما يستطيع دحره. استخدموها. افرضوا العقوبات. أوقفوا تزويد إسرائيل السلاح. نفذوا قراراتكم السابقة.
أنقذوا الفلسطينيين والإسرائيليين، من تطرف هذه الحكومة الإسرائيلية وظلاميتها وجرائمها، واحموا المنطقة والعالم من تبعات عدوانيتها، التي لن تقف عند حدود الشرق الأوسط.
الزملاء الأعزاء،
قتلت إسرائيل عشرات الألاف من الفلسطينيين. وتستطيع آلة حربها أن تقتل أكثر. لكنها لن تستطيع أن تقتل إرادة الشعب الفلسطيني في الحياة. ولن تستطيع وقف نضاله من أجل الحرية. سيظلون يدقون بابها، جيلاً بعد جيل.
هذا هو التاريخ. وهذا ما سيكونه المستقبل. للشعب الفلسطيني حق يجب أن يناله إذا ما كان للمنطقة أن تنعم بحقها في الأمن والسلام.
الزملاء الأعزاء،
سيكسر نور الحق الفلسطيني عتمة الظلم الإسرائيلي، وستنتهي جولة الباطل الإسرائيلية، عاجلاً ام آجلاً. اجعلوا ذلك عاجلاً، حتى لا يجعل القهر والظلم المستقبل، كما الراهن، دواما تصراع وقتل وبؤس وحروب. كفى. جاوز الظالمون المدى. أوقفوا هذا الظلم.
شكرا لكم.”