عروبة الإخباري –
العالم أصبح اليوم مكشوفًا أمام أعين الجميع، والسياسة الدولية، التي كانت تُدار خلف الكواليس، باتت واضحة للعيان. الاتفاقيات التي تبرمها الدول الغربية بمسانده من بعض الدول العربية على حد سواء، لم تعد تخفى على أحد، بل إن القرار بالحرب، سواء أكان مباشرًا أم غير مباشر، قد أُتخذ بالفعل، وربما مكتوبٌ على لبنان أن يظل مسرحًا لهذه الألعاب السياسية التي لا تُراعي مصلحة شعوبه ولا تطلعاته.
لبنان، البلد الذي لطالما شكّل بؤرة اهتمامٍ دولي بحكم موقعه الاستراتيجي وحضارته التاريخية، يجد نفسه اليوم غارقًا في مستنقع الأزمات المتلاحقة. وكلما أُضيئت بارقة أمل، جاءت يد السياسة لتغرقها في بحر المصالح الضيقة. لم تعد المسألة مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل باتت تتجاوز ذلك إلى صراع على الهوية والمستقبل.
لقد أصبحت الاتفاقيات الدولية تُرسم بمساندة أنظمة وحكام لا يعيرون اهتمامًا سوى لمصالحهم الشخصية. هؤلاء الحكام الذين يتهافتون على شهوة المال والنفوذ، لم يعد في قلوبهم مكان للوطن أو لشعبهم. تراهم يرفعون شعارات الوطنية على المنابر، يتحدثون عن الأخلاق والمبادئ، في حين أن واقعهم يكشف نفاقهم. فكيف يمكن للمرء أن يدعي حب الوطن وهو يغرقه بسرقات ممنهجة وتفتيت ممنهج لمؤسساته؟
الفساد بات متجذرًا في كل زاوية من زوايا السلطة، والحصانات التي يتمتع بها هؤلاء الحكام والمسؤولون أصبحت درعًا يحميهم من المساءلة والمحاسبة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستنفع هذه الحصانات يوم الحساب أمام الله؟ كيف يمكن لهؤلاء أن يتغاضوا عن العدل الإلهي وهم يعلمون أن الدنيا زائلة؟ الحصانة من البشر قد تمنعهم اليوم من الوقوف أمام القضاء، لكنها لن تنقذهم من وقفة الحق أمام الخالق.
لبنان الذي يغرق اليوم في الأزمات الاقتصادية والسياسية، يعاني في عمق الروح من خيانة أبنائه الذين أوكل إليهم قيادة سفينته. كيف لا ونحن نشهد على تفكيك المؤسسات وتهريب الأموال ونهب الثروات؟ هؤلاء القادة الذين يُفترض بهم أن يكونوا حماة الوطن أصبحوا تجارًا لمصالحهم. والمفارقة الكبرى تكمن في أنهم لا يرون سوى مصالحهم الضيقة، غير مدركين أن هذه المصالح ستؤدي في النهاية إلى انهيار شامل سيطالهم هم أيضًا.
المشهد الدولي يضيف تعقيدًا على تعقيد. فالدول التي تدعي الحرص على لبنان لا تختلف عن حكامه في شيء. مصالحها فوق كل اعتبار، وهي لا ترى في لبنان سوى ساحة لتصفية حسابات سياسية واقتصادية. ما يُسمى بالمساعدات الدولية ليس سوى وسيلة للضغط والابتزاز، فيما تتغافل هذه الدول عن حقيقة أن لبنان يحتاج إلى إصلاحات جذرية تتجاوز البنية السياسية الحالية.
إن النخبة الحاكمة في لبنان ليست سوى جزء من منظومة دولية أوسع تلعب دورًا في تفتيت البلد. فالقرارات الكبرى لا تُتخذ في بيروت، بل في عواصم دول كبرى تسعى إلى التحكم بمصير لبنان ومقدراته. وهذا كله يتم بموافقة وصمت أولئك الذين يملكون القرار السياسي في البلاد. ما يجري اليوم في لبنان ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو جزء من مخطط دولي لإضعافه وتحويله إلى ورقة تفاوض في يد الأطراف المتصارعة.
في النهاية، يبقى السؤال الجوهري: متى سيستفيق الشعب اللبناني من سباته؟ ومتى سيدرك أن الحل لا يكمن في تغيير الوجوه بل في تغيير النظام برمته؟ إن الحصانات الزائفة التي يتمتع بها حكام لبنان اليوم قد تحميهم من العقاب الدنيوي، لكنها لن تفلتهم من عقاب الله. والتاريخ شاهد على أن كل ظالم لقي في النهاية جزاءه، مهما طال الزمن.
فالبلد الذي يُترك ليغرق اليوم، لن يُكتب له النهوض إلا إذا تمسّك أبناؤه بالحق والعدالة، وعملوا على قلب الطاولة على كل من يسعى لتدميره.