عروبة الإخباري –
الغد –
لن تستطيع الحكومة الجديدة، أو أي حكومة، تحمل الكلفة الباهظة التي سترافق أي غياب إعلامي أو ظهور غير مدروس للرئيس ووزرائه، في ظل هذا الطوفان الهائل من المعارك الحقيقية أم المفتعلة على وسائل التواصل الاجتماعي.
المسألة لا تتعلق بمؤشرات الأداء، بل بمؤشرات الرضا، ولا علاقة لها أيضا بالتواجد في الميدان؛ فالتواجد بالميدان لا يضمن تخفيف الاحتقان، لا بل قد يعني مزيدا من التوتر والاستفزاز في وقت لا يحتمل أخطاء إعلامية تقوض رواية الدولة وتضر بصورتها الذهنية أمام المواطن.
القضية إذا هي قضية قيادة سياسية وليست إدارية؛ قيادة تحتاج إلى تفعيل كل أدوات “الدبلوماسية الإعلامية” وليس الدعاية والترويج. وهذا يتطلب أكثر من وجود ناطق إعلامي بالغ الكياسة والتهذيب فالأمر ليس متعلقا به وحده، بل بمنظومة اتصالية متكاملة وخطة تبدأ بالرئيس نفسه وتنتهي بأصغر مكتب يُعنى في خدمة الجمهور في أي مؤسسة حكومية.
الدبلوماسية الإعلامية تحتاج إلى أدوات، أهمها “النجومية أو الكاريزما السياسية” لأعضاء الحكومة أو على الأقل من يظهر منهم على الإعلام. وهي لعبة تحتكم لقواعد، أولها – كما عبر عنها الدكتور جان كرم في كتابه “الإعلام العربي إلى القرن الواحد والعشرين” – أنها “تأتي نتيجة لاختيار حر” لمشاهد يمتلك وحده القرار في المتابعة أو التوقف، ولا يوجد ما يجبره على ذلك.
أما القاعدة الثانية فتفترض أن “يكون النجم السياسي حقيقيا وليس تجريدا”، بمعنى أنه يعتمد على الأنسنة والحضور الجسدي والقبول. فالسياسي النجم هو إنسان في المقام الأول، يقدم الحقائق ويعرض الوقائع، لكنه يصل إلى الناس بمشاعره أيضا، عندما يتحدث بعفوية وصدق وبساطة، ويوزن ذلك بالبعد المعرفي والموضوعي الذي يخلق حوله هالة مستمدة من كونه إنسانا وليس خشبيا.
تحتاج الحكومة في البدايات، إلى أن تتبلور هذه القيادات وتضبط الخطط، لترسيخ “مركزية” الاتصال الحكومي لضمان تنسيق الرسائل الرسمية وتعزيز التوافق الداخلي لتوحيد الخطاب الرسمي منع التذبذب في المواقف، خاصة فيما يتعلق بالسياسات، هذا التذبذب الذي يخلق حالة من الحيرة عن ماهية موقف الدولة الحقيقي من الأشياء! ولا حاجة للحديث أكثر عما يحدث حاليا من سجال حول المناهج وغياب موقف واضح للدولة من الأمر.
مركزية الاتصال تتطلب الانتباه فورا إلى حسابات الوزراء الشخصية والعامة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة حساب الرئيس، والتعامل مع هذه الحسابات بمنتهى الدقة والحساسية. فالوزراء يواجهون منذ اليوم الأول ترصدا لأي هفوة أو تصريح غير محسوب، سيدخل الحكومة في دوامة من الأزمات الفرعية التي ستحتاج إلى التعامل الفوري، مما يخرجها عن أجندتها الحكومية، ويزيد من تآكل الثقة.
فشل العملية الاتصالية السياسية بمدخلاتها ومخرجاتها يعني مأزقا للدولة، لعدم تمكنها من كسب الثقة وتحسين الصورة الذهنية التي كلما تجذرت أصبح من الصعب تفكيكها، وهي مسألة مصيرية تحتاجها الحكومة لتعزيز شرعيتها السياسية وتنفيذ برامج التحديث السياسي والاقتصادي.
خلاصة القول: لا سياسة بدون تواصل، فلا يجوز أن تخاطر الدولة بمزيد من الفجوات مع الناس بسبب الإهمال والأخطاء والثغرات، لأن القضية لا تتعلق بالموارد وشحها، أو المعرفة ووجودها، فالحكومة تمتلك الطاقات والقدرات والوسائل، هي مسألة تتعلق فقط بالإرادة سياسية والرغبة في التغيير.