يتوهم «بنيامين نتنياهو»، وهو مأخوذٌ بفرحة جرائمه الدموية في لبنان وقطاع غزة، بمقدرته على إحياء مشروع «الشرق الأوسط الجديد» مرة أخرى، حينما يقول «لقد بدأنا للتو، وسنعمل على تغيير الشرق الأوسط»، في محاولة منه لاستحضار ما اندثر منذ زمن، ولإثبات أفضليته السياسية على سلفه «شمعون بيريز» الذي أخفق في تنفيذه فعلياً.
إن ما تفوه به «نتنياهو» ليس مجرد تصريح أطلقه في لحظة شاهدة على تطرفه الذي لا سقف له، بل هو مخطط أميركي – صهيوني قديم يتم استحضاره اليوم في حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة ومساعي تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية، وجرائم الاغتيالات المتتالية لقادة «حزب الله» والعدوان على لبنان، مما يجعل المنطقة على حافة تصعيد إقليمي خطير يريده «نتنياهو» لإيجاد بيئة الفوضى وعدم الاستقرار الحاضنة «لحُلمه» المنشود بتغيير الشرق الأوسط وتبوؤ الكيان المُحتل مكانة «الدولة» المركز فيه.
تصر العقلية الأميركية – الصهيونية، والغربية عموماً، على الزج بصيغة الشرق الأوسط الجديد «القديم» بنسخته المستحدثة في المنطقة، رغم فشل المحاولات السابقة، أسوة بأطروحة «الشرق الأوسط الجديد» الذي وعدت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، «كونداليزا رايس»، بولادته من ثنايا العدوان على لبنان (عام 2006)، ويشكل امتداداً طبيعياً لمشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي أعلنه الرئيس الأميركي السابق، «جورج بوش»، عقب احتلال العراق (عام 2003)، باعتباره «توأماً» خبيثاً «لبُشارة» الصهيوني «بيريز» بشرق أوسط جديد في أوائل تسعينيات القرن الماضي.
إلا أن عدم تقبل منظومة النسيج المجتمعي السياسي والمدني ويقظة المقاومة وتنبهها لمقاصد المشروع الأميركي – الصهيوني، أدى إلى عرقلة تنفيذه حتى الآن، مما دفع واشنطن لإعادة صياغة أطره مجدداً بما ينسجم مع مصلحتها الاستراتيجية في المنطقة، ويأخذ بالاعتبار التطورات القائمة.
وباجترار نفس أدبيات المنظومة «الإمبريالية» التي تُسبغ مفاهيم العدالة والحق والديمقراطية على نزعة العدوانية والهيمنة والمعايير المزدوجة؛ تسعى الإدارة الأميركية لتسويق مُبررات أي قرار بالعدوان على لبنان، مثلما فعلت بحرب الإبادة الصهيونية ضد قطاع غزة، وكما تفعل دوماً مع حليفها الاستراتيجي بالمنطقة.
ويتماهى الكيان الصهيوني على ذات المُوجة المزعومة؛ بتنصيب نفسه صاحب الحق، وكجزء من الحضارة والثقافة الغربية المتطورة وسط ثقافة شرقية إسلامية أدنى منزلة تُهدد أمنه ووجوده في المنطقة، بما يتوجب مواجهتها. وعلى تلك الشاكلة؛ يضحى الصراع العربي – الصهيوني صراعاً حضارياً بين الإسلام وما يسمى «الإرث اليهودي – المسيحي»، إزاء عدم عقلانية المسلمين ورفضهم التاريخي لقيم هذا التراث، وليس استعماراً إحلالياً استيطانياً لفلسطين وانتهاكاً لحقوق الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير.
إن أي قرار يتم اتخاذه لشن العدوان ضد لبنان هو قرار أميركي – صهيوني مشترك، وجزء من عملية أوسع تستهدف تغيير قواعد اللعبة في المنطقة وليس في لبنان وحده، عبر محاولة فرض «شرق أوسط جديد» يولد من رحم الأزمة اللبنانية، ومسعى تنفيذ الهدف القديم بتدمير البنية العسكرية «لحزب الله» ونزع سلاحه، وتثبيت المنجزات سياسياً على الأرض، على أن تتولى الولايات المتحدة بعد ذلك تقويم نتائج ما أنجز عسكرياً وسياسياً لبحث كيفية استثماره وتوظيفه في إطار خططها الخاصة بإيران والمشهد العربي الإقليمي.