كثير ممن يحاولون تحديد تحديات المرحلة المقبلة يحذرون من خطر قادم على الأردن في حال نجح مرشح الحزب الجمهوري ترامب في العودة الى البيت الأبيض في الانتخابات الأميركية القادمة بعد اسابيع، وهذا التحذير منطلق من أمرين خلال فترة حكم ترامب السابقة اولهما قراره بنقل السفارة الأميركية الى القدس والثاني صفقة القرن التي طرحها ترامب لكنها لم تجد طريقها للتطبيق الكامل بعدما وقف الاردن موقفاً صلباً في رفض المشروع وكان الموقف الاردني عامل مساندة حقيقياً لموقف السلطة الفلسطينية.
لكن ما حدث خلال شهور العام الاول من العدوان على غزة وتحديدا موقف الادارة الاميركية الديمقراطية وما استقر عليه واقع القضية الفلسطينية المتردي يجعل من بقاء الديمقراطيين او عودة ترامب لا يصنع فرقاً ملموساً على صعيد الموقف من القضية الفلسطينية.
الاردن لديه علاقات قوية مع الولايات المتحدة على الصعيد الثنائي، علاقة مع الكونغرس والمؤسسة العسكرية الأميركية والحزبين الديمقراطي والجمهوري، علاقة ليس لها مسار واحد بل تقوم على تعاون في ملفات كبرى اقليمية ودولية، وهذه العلاقة تتم رعايتها والبناء عليها من قبل مؤسسة الحكم منذ عهد الملك الحسين رحمه الله إلى عهد الملك عبدالله الثاني وما زالت هذه العلاقة قوية ومستمرة.
وما يحاول الاردن فعله خلال كل الادارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية المحافظة على حضور للقضية الفلسطينية على أولويات هذه الادارات وان يكون هناك مسار سياسي ينصف الشعب الفلسطيني ويعطيه حقوقه وعلى رأسها الدولة الفلسطينية، ودائما هناك جهد اردني لمواجهة جهود إسرائيلية لجعل ملفات اخرى اولوية للولايات المتحدة وتحديدا ما يسمى الملف النووي الايراني.
مع وجود ترامب في المرة السابقة كانت العلاقات الثنائية قوية وايجابية لكن المشكلة كانت في تعامل ترامب مع القضية الفلسطينية، واستطاع الاردن ان يتخذ موقفا قويا ومؤثرا في مواجهة مواقف ادارة ترامب في ملفي القدس وصفقة القرن، وانتظر الكثيرون قدوم بايدن الذي يتحدث كثيرا عن حل الدولتين والدولة الفلسطينية، لكن ثلاث سنوات من فترة بايدن لم يطرح فيها مبادرة للسلام ولم تتدخل إدارته في الملف الفلسطيني الا عندما كانت ساحة غزة تشتعل، فالاولوية كانت الصين ثم كانت روسيا عبر الحرب في اوكرانيا.
وعندما كان العدوان على غزة؛ قدمت ادارة بايدن وما زالت دعماً شاملاً لكل ما يريده نتنياهو من عدوان عسكري وغطاء سياسي واقتصادي ودبلوماسي، وربما لو كان ترامب رئيساً لما خدم حكومة نتنياهو بهذا الشكل، بل ان الملمس الناعم للإدارة الديمقراطية جعلها قادرة على المراوغة عبر الحديث عن تفاوض لم يصل إلى شيء وحديث عن مساعدات انسانية لكن على الارض لم يتوقف مشروع نتنياهو السياسي، أو صفقة القرن العسكرية التي مازال تنفيذها قائماً.
اذا جاء ترامب الى البيت الأبيض فالاردن ليس مقبلاً على مرحلة صعبة او كارثة لان واقع القضية الفلسطينية ودمارها سياسياً وظهور “قضية غزة” واقع أسوأ بكثير من صفقة القرن، وستكون مرحلة ترامب ربما مرحلة حلول لملف غزة والضفة في ظل المعطيات الجديدة التي انتجتها حرب غزة، ومهما اراد ترامب تقديم خدمات لنتنياهو فلن يسبق ادارة بايدن.
اما على صعيد العلاقات الثنائية؛ فالاردن يحفظ مصالحه مع الجميع في واشنطن، ويتعامل مع كل المؤسسات هناك، والعلاقة مع واشنطن ليست علاقة المسار الواحد بل ملفات ومصالح كثيرة.
مؤسف ان ينتظر اهل القضية الفلسطينية رحيل ترامب او قدومه او فوز حزب في بريطانيا او المانيا بينما يفشل قادة القضية في رام الله وغزة في التنسيق الحقيقي في ظل عشرات آلاف الشهداء والجرحى وجوع غزة وتشريد اهلها..