احتفلت الجامعة اللبنانيّة الألمانيّة بتخريج طلاّبها لدورة العام ٢٠٢٤، وألقى ضيف الشرف، رئيس المجلس التنفيذيّ لـِ”مشروع وطن الإنسان” النائب نعمة افرام، الكلمة الرئيسيّة في الإحتفال، مُشَدِّدًا على أنّه:
ليس جديداً علينا الخيار المرّ ما بين البقاء وبين المغادرة. إنّها تراجيديا رافقتنا على مدى التاريخ، وقد تعاظمت في السنوات الأخيرة. هذا الواقع المؤلم أعيشه كلّ يوم كنائب. ويعيشه المجتمع اللبنانيّ فًرْضاً وقَسْراً. كما تعيشونه أنتم، خريجو اليوم، ويعيشه أهلكم.
ها نحن اليوم أمام نفس الخيار الذي كان مطروحاً منذ القرن الثامن عشر: هل من مستقبل لنا هنا أم في الخارج؟ لا بل نسأل بتهيّب أكبر: هل نريد أن نكمل بلبنان أهلنا وأجدادنا، أو نعترف أمام بعضنا البعض أنّ هذا اللبنان لم يعد قابلاً للحياة؟
إذا كان حاضركم اليوم هو مستقبل أهلكم وأجدادكم بالأمس، فهذا يعني أيضاً أنّ حاضركم اليوم سيكون مستقبل أولادكم وأحفادكم في الغد. فما هو الذي يقع على عاتقكم، وما الذي ستقومون به ولم يفعله أهلنا وأجدادنا، وما الذي سيكون أفضل مما قدّمته الأجيال التي سبقتكم؟
فضيلتان ازرعوهما عميقاً في قلوبكم وعقولكم، تماماً كما فعلت جامعتكم. واجعلوهما أساس مشوار حياتكم: الاحتراف والالتزام. احتراف والتزام بصفاء تام. في أبعد ما يكون عن التسييس والغرائز. وبتفاعل كبير. عندما نضع الاحتراف إلى جانب الالتزام، يحدث التغيير المطلوب والجوهريّ. تماماً كما يحدث الانفجار عندما تُمْزج المكوّنات المحدّدة بعضِها ببعض.
الاحتراف في زمنكم هذا بات أسهل من الالتزام، فهو متاح ومروّج له في كلّ مكان. في الجامعة وفي ثورة التكنولوجيا وفي الأبحاث وفي وسائل التواصل. أصبح الاحتراف موضة، وهذا ما لم يكن متوفّراً بهذا القدر لدى أهلكم وأجدادكم. ومن المرجّح جدّاً أن يشهد المجتمع الكونيّ في زمنكم، حدّاً أدنى للمدخول لكلّ البشر ومن دون عملUniversal Basic Income بما يكفل تأمين المأكل والمشرب والمسكن والرعاية الصحّية، من دون تحفيز خاص للتقدّم والتطوّر الشخصيّ.
بالمقابل، سيصبح الإنسان الآليّ في كلّ مكان. ولكي تعيشوا حياة لائقة وطموحة مليئة باليسر والراحة، سيكون عليكم أن تصبحوا أكثر فائدة واحترافاً من الإنسان الآليّ. كما سيأتي زمن قد تُزرع فيه شرائح ومعدات آليّة في أجساد البشر، تزيد من قدراتهم، وتصعّب أكثر فأكثر المنافسة في عالم الاحتراف . وفي ظلّ هذا العالم المحترف، سيكون الفرق شاسعاً بين من يعيش على الحدّ الأدنى للمدخول ويبلغ السبعين أو الثمانين من العمر، وبين من هو في مقلب آخر وقد يعيش مئات السنين.
إنّ ما يُعدّ اليوم ترفاً وفخامة، سيصبح غداً من البديهيّات والأساسيّات. لأنّ ما هو متوقعّ من تطوّر، ليس متوفراً اليوم. وسيصبح واقعاً فقط لمن هو من المتميزين والمحترفين.
أمّا ما لم يعد على الموضة، فهو الالتزام للأسف. الالتزام بالقيم والمبادئ الإنسانيّة والإيمانيّة. الالتزام بالكلمة. الالتزام بالموقف. الالتزام بالحرّية. والالتزام بالهوّية والجوهر. وماذا عن الالتزام بالعائلة؟ أليست العائلة في الأساس وفي النهاية هي اتحاد بالروح والجسد بين رجل رجل وإمرأة إمراة؟ مفهوم العائلة هذا لم يعد على الموضة. لا بل أصبح لدى البعض، رأياً رجعيّاً وضدّ التطوّر والحداثة. المناقبيّة أيضاً لم تعد على الموضة. كذلك العصاميّة وطرق الحياة الشريفة، وحتّى أحياناً لم يعد البعض منّا يضع قلبه وروحه في العمل. ضاع جمال ما نقوم به. تلاشى شغف البطولة واستبدل بالشهرة، وصار من خارج نمط السياق الطبيعيّ للأمور.
إذا استطعتم زرع هاتين الفضيلتين عميقاً في مسيرة حياتكم، عندها ستجيبون بنعم نريد لبنان نموذجاً قابلاً للحياة، وعندها تتحوّل حياتكم إلى رسالة. رسالة الحياة هي رونق الحياة. من دون رسالة. تذّكروا، لا يعود هناك ما يفرّق الإنسان عن الحيوان. وتذّكروا أيضاً، رسالة إعادة بناء لبنان بالإحتراف والإلتزام، هي ما تبرّر وجودنا في هذا البلد.
أمانتي لكم: إيّاكم السير في هذه الدنيا من دون البحث من خلال الأسئلة والأجوبة عن رسالتكم في هذه الحياة، وعن احترافكم وبأيّة درجة وبأيّ اتجاه، وعن التزامكم بماذا وكيف، وعن أيّة علاقة لكم بلبنان، وإلاّ تكون حياتكم فارغة وأعمالكم من دون نتيجة، ولا تحصدون إلاّ المزيد من خيبات الأمل. ناضلوا وجاهدوا ولا توفرّوا سبيلاً لتحقيق رسالتكم. شرف المحاولة بكلّ قدراتكم يكفي.