قررت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية المرموقة للتصنيف الائتماني السيادي، رفع تصنيف الأردن على المدى البعيد من B+ إلى BB- مع نظرة مستقبلية مستقرة، مستندة إلى جملة من الحقائق والمعطيات التي تأتت على مدى الفترة الماضية على صعيد الإصلاح المالي والهيكلي في الأردن؛ حيث أبدى الأردن قدرة متفوقة في الصمود أمام الضغوط المستمرة في المنطقة التي أثرت على مؤشرات الاقتصاد في الدول كافة على الإطلاق. هذا التقرير لإعادة التصنيف يأتي بعد آخر سبقه من وكالة موديز العالمية للتصنيف الائتماني للدول، وكلا التقريرين غير مسبوقين منذ واحد وعشرين عاما، ما يعني أن الأردن، ورغم كل الصعوبات الاقتصادية والتحديات الإقليمية، استطاع أن يظهر منعة اقتصادية ويستمر بالإصلاح المستدام على المديين المتوسط والبعيد. رفع التصنيف الائتماني للأردن يعني الكثير ماليا وسياسيا واقتصاديا، فهو يؤشر على قناعة أن ملف الدين العام يدار بحكمة استراتيجية سوف تعيده لمستويات منخفضة بدءا من العام القادم، ومعناه أن المانحين الدوليين والمستثمرين سوف يشعرون بثقة لإقراض الأردن أو الاستثمار فيه، ومعناه أن المؤشرات الاقتصادية الأخرى في طريقها للتحسن، بما في ذلك معدلات الفقر والبطالة التي تأتي من خلال النمو المرتفع الذي سيدفع أرقامه للأعلى الاستثمار الداخلي والخارجي. معناه باختصار أن الأردن دولة محترمة صادقة جادة جديرة بالثقة والدعم.
آخر ما كان عديدون يتوقعونه هذه الأخبار الاستراتيجية المهمة والإيجابية بالنظر للتحديات الإقليمية الضاغطة، أوضحها ما يحدث الآن في غزة وأثره على السياحة والاستثمار والنقل والطاقة، وربما خير وصف لما نحن فيه ما لخصه عنوان كتاب “بناء في رحم الأزمات” لكاتبه الدكتور جعفر حسان، الذي تحدث عن الاقتصاد السياسي الأردني وتطوره التاريخي، وكيف أنه استمر بالبناء رغم تعاظم وتتابع الأزمات وشح الموارد المالية والطبيعية في الأردن. هذا العنوان خير ما يصف واقع ردود الفعل على أخبار رفع التصنيف الائتماني للأردن، ويستحق المسؤولون عن هذا الملف من رئيس الوزراء ووزيري المالية والتخطيط ومحافظ البنك المركزي ومدير الضريبة وغيرهم أن يحتفلوا ويفتخروا بما فعلوا وأنجزوا. ليست القصة من يأخذ الكردت، ونعلم أن هذه قصة كبيرة في بلدنا، المهم أن الأردن استطاع أن يحقق هذا الإنجاز، ولهذا أسبابه الموضوعية، يعلوها على الإطلاق الابتعاد عن الشعبوية في إدارة هذا الملف، وهذا سببه الأساس القيادة السياسية الحكيمة للملك وولي العهد اللذين أعطيا الثقة والقوة للمسؤولين حتى يتخذوا القرار الصحيح والقويم لبلدنا بعيدا عن الشعبويات الهادمة للأوطان.
إن أي نظرة موضوعية لتحدياتنا الاقتصادية تظهر بوضوح أن الشعبويات كانت وما تزال خلف معاناتنا الاقتصادية، ففي كل مرة تزداد فيها النفقات الجارية يكون السبب الأساسي شعبويات التنفيذيين في الحكومة، وما ملفات الإعفاءات الطبية، والتوسع بالتوظيف الحكومي على حساب الإنتاجية، والرغبة في إرضاء بعض القطاعات، لا سيما المرتبطة بالعمالة الوافدة، إلا دليل على هدر مالي بمئات الملايين بسبب الشعبويات.