عروبة الإخباري – هدى الأحمد
التراث هو كل مأثور لدى المجتمعات ينتقل من جيل إلى جيل من عادات وتقاليد وأدب وفنون وغيرها من الممارسات الإنسانية بخيرها وشرها، وكثيرا ما تأخذ هذه المأثورات قدسية وتصبح قيمة ثابتة تتباهى بها الأجيال.
هذا التراث الذي كونه الأجداد يستمد قوته من خلال الاستمرار بممارسته حيث يبقى حاضرا في الضمير الجمعي للمجتمع، ولعل البادية هي الأكثر حرصا على هذا المأثور ولا نقول الوحيدة فأيضا للريف تراثه ومقوماته التي استمرت عبر الأجيال.
الأردن كما بقية البلدان حرص على توثيق المأثورات الشعبية للحيلولة دون ضياعها بفعل التكنولوجيا وطغيان الحياة المدنية، فعمد الباحثين لجمع هذا الإرث الذي تكاد ملامحه تختفي، فجمعت الأغاني والأمثال والعادات فكان روكس بن زائد العزيزي وهاني العمد واحمد شريف الزعبي وغيرهم من حراس هذا التراث الذي جمعوه وحفظوه بين طيات الكتب.
وعند الحديث عن الحياة الثقافية في الريف والبادية الأردنية تقفز إلى الأذهان أحداث حفظتها الحكاية الشعبية المحكية والشعر النبطي والأمثال، فمن طقوس الأعراس وحكايات العشق والطب الشعبي وصولا للقضاء العشائري وغيرها من الأمور، تظهر أهمية توثيق هذه المأثورات التي تشكل جزءً مهما من الحياة الثقافية والتي من خلالها نستطيع فهم نمط المعيشة والضمير الجمعي لهذا المجتمع.
الأردن بلد ضارب في عمق التاريخ حيث مرت عليه العديد من الثقافات كما قامت على أرضه ثقافات أصيلة كالحضارة الأنباط الذين بنو مدينة تعد عجيبة من عجائب الدنيا، وصولا إلى حضارة الإسلام التي كان لها الأثر الأكبر في البناء والتعليم، ثم جاء الأتراك الذين تحكموا في المنطقة لما يزيد عن أربعة قرون أصحاب السطوة والمتحكمين بالتعليم ثم ربت الاستعمار على المنطقة وكانت طبيعة الحياة تقوم على الترحال بين الشمال والجنوب والشرق والغرب بين بلاد الشام عموما فكانت اللهجة تتأثر قليلا لكنها كانت تحافظ على معالمها الأصلية، وبفعل الاحتكاك بين قبائل المنطقة والأتراك والفرنسيين والإنجليز أعطى للحياة الثقافية اتساعا من حيث دخول كلمات جديدة صارت في بعد تشكل جزء من هذا التراث والعادات والتقاليد، حتى ان اللباس الشعبي تأثر في هذا التنوع الثقافي، ودخلت كلمات تركية وغربية على لهجة أهل المنطقة.
الغناء الشعبي في البادية الأردنية:
المجوز والشبابة والطبلة من الآلات الموسيقية التي كان لها حضورها في أعراس الأردنيين لكن الربابة هي التي سيطرت على المزاج العام لأهل البادية إضافة إلى تراويد النساء والهجيني والدحية وهي رقصة تمارس قبل الحروب لإثارة الحماسة بين أفراد القبيلة، وفي نهايتها يصفون بطولات وأفعال ومع الأيام صارت تستخدم في الأعراس والاحتفالات، ومن أشهر أغاني الدحية:
(هلا بك يا هلا.. هي يا حليفي يا ولد
هلا هلا بك يالدالي..شقر الذوايب جدالي
ياريت ابوكي خي آبي.. ياريت ابوكي عم الي).
الزواج في الثقافة البدوية:
لا تختلف عادات الزواج بين منطقة وأخرى في البادية فعلى الأغلب تأتي (الفاردة) ليقوم أهل العروس بتقديمها وإركابها في هودج، ونادرا ما كان الخطيب يعرف مخطوبته قبل طلبها، وإن كانت قصص اللقاءات على غدران الماء قد انتشرت إلا أنها محدودة، فكثيرا ما كان أبن العم له الأولوية حتى أنها كان إذا أراد ينزل بنت عمه عن الجمل كما يقال، وكان الزواج يتم بالقبول والإيجاب بين الزوج ووالد الفتاة حيث يقال (انتي قاعده على حجر وانا قاعد على حجر واشهد يا رب القدر) ثم يتم تسمية المهر بالأبل والأغنام وتحديد ليلة الحناء للعروس، وبهذا يكون على سنة الله ورسوله حتى ظهرت المحاكم الشرعية، ومن أشكال الغناء عند النساء في العرس:
(يمه يا يمه شردان ما اريده.. اريد الشاب الغاوى بارودته بيده
لأنه رمى وانتخى… راس القوم يصيده. ويرد كيد العدا.. وبارودته بإيده).
القضاء العشائري:
هو معلم من أهم معالم الثقافة في البادية الأردنية حيث في كل قبيلة شخص مختص يسمى بـ(العارف) وبعض هؤلاء العارفين ضرب صيتهم في كل البلاد وبعضهم اختص في خصومات العرض وتقطيع الوجه خاصة مواضيع الاستجارة (الضيف الدخيل ودية المقتول أو المُصاب، وهذا العارف يتصف بصفات يتفق عليها الجميع كالذكاء والخبرة واحترام النفس والمعرفة بكتاب الله وأحوال العشائر، وحتى اليوم ما زال للقضاء العشائري مكانة تقرها القوانين القضائية.
الحديث عن الحياة الثقافية لا يتوقف على ما ورد أعلاه لكنها لمحة عامة نريد منها التأكيد على ضرورة حفظ التراث الثقافي الذي يمثل واحد من اهم مقومات الأصالة التي تحاول الحضارة الحديثة أن تأكلها، وتهمش دور التراث في حياتنا، فطغيان الحياة المادية جعل أفكار العراقة والأصالة مسميات تخلو من المضمون فالعادات الخيرة والطيبة وإقراء الضيف والكرم والنخوة فضائل عظيمة على أمتنا الحفاظ عليها.
الحياة الثقافية في البادية الأردنية
28
المقالة السابقة