استهداف الضفة الغربية لم يبدأ منذ الاربعاء الماضي في جنين وطوباس وطولكرم ومخيم نور شمس.. بل هي اعتداءات متواصلة، يكفي أن نشير فقط الى أن تصعيد الاعتداءات على الضفة الغربية تزايد منذ 7 اكتوبر و-بحسب نادي الأسير الفلسطيني- فان السلطات الإسرائيلية اعتقلت في الضفة أكثر من 10,300 فلسطيني منذ 7 اكتوبر، حيث تشمل هذه البيانات من أُبقي على اعتقالهم، ومن تم الإفراج عنهم لاحقاً.
أضف الى ذلك فإن ما لا يقل عن 23 معتقلاً من الضفة الغربية بما فيها القدس، قتلوا في السجون الإسرائيلية بعد7 أكتوبر، ممن تم الكشف عن هوياتهم وأُعلن عنهم.
ما يجري بالضفة استمرار لمخططات تآمرية على فلسطين وبسيناريوهات تأخذ أشكالا متعددة، فمن حرب إبادة في غزة التي بلغ عدد شهدائها ونحن في اليوم 329 لبدء العدوان عليها نحو 40,602 شهيد و93,855 مصاباً منذ 7 اكتوبر 2023، الى أشكال متعددة من الاعتداءات بالضفة الغربية تستهدف المخيمات بالدرجة الاولى ولا تستثني أحدا من الاعتقالات واطلاق الرصاص واطلاق قطعان المستوطنين الذين تم تسليحهم رسميا وسياسات المضي قدما ببناء المستوطنات، وكلّها مخططات تهدف – بحسب تصريحات معلنة لوزراء متطرفين بالحكومة الاسرائيلية -الى تهجير الأهالي وسكان الضفة الغربية.
ما يجري في الضفة الغربية اليوم (خطير) ويجب قراءته ضمن السياقات التالية:
1 -نتنياهو ومنذ 7 اكتوبر أعلنها حربا وجودية مفتوحة، وجد فيها ضالته لتنفيذ جميع مخططاته مستغلا الدعم اللامتناهي من قبل الولايات المتحدة الامريكية -في سنة الانتخابات الرئاسية -ومن خلفها دعم غربي منقطع النظير، وهي فرصة للهرب مما ينتظره من عقوبات واحكام قضائية كانت ستعجّل بوضعه لسنوات خلف قضبان السجن، لذلك هو ماض في هذه الحرب دون هدف ولا سيناريوهات لليوم التالي، لأن همّه «اليوم الحاضر»، الذي يبقيه على كرسي الرئاسة، ولذلك أطلق أيدي المتطرفين في حكومته وفي مقدمتهم الوزيران بن غافير وسموتريش يعيثان في الضفة الغربية فسادا، سواء باطلاق تصريحات متطرفة أو بتسليح المستوطنين واطلاق أيديهم بقتل من يشاؤون من الفلسطينيين، أو بقتل السجناء وتعذيبهم، وصولا الى قرارات لدعم اقتحامات الاقصى وتمويلها.. وغير ذلك من الاجراءات التي تسير وفق مخطط مدروس وليس مجرد تصرفات فردية او ثنائية كما تحاول بعض وسائل الاعلام أن تظهرها.
2 -أولوية نتنياهو في هذه المرحلة اطالة أمد الحرب -على الاقل حتى الانتخابات الامريكية -على أمل عودة ترامب الاكثر دعما لمخططاته.. ولكن بعد تصريحات أركان جيشه بأن العمليات العسكرية في غزة قد انتهت -حسب رأيهم- وبعد احراق وتدمير غزة.. دون تحقيق ما وعد به من أهداف.. كان لا بد من الخطوات التالية لتحقيق هدفه الرئيس لاطالة أمد الحرب، وتحقيق مزيد من أهدافه داخل الاراضي المحتلة والاقليم.. ومن هذه الخطوات:
أ)-محاولة توسيع رقعة الحرب اقليميا، ويبدو أنه لم ينجح بإقناع حليفته امريكا بذلك، فليس لدى الادارة الامريكية أي استعداد لتوسيع دائرة الحرب في هذا التوقيت الانتخابي الصعب، فتم «حصر» الفعل ورد الفعل بين اسرائيل وايران وحزب الله.
ب)-من هنا عاد نتنياهو لاشعال جبهة داخلية في الضفة تحقّق له عدة أهداف منها: استهداف المقدسات في القدس والاقصى تحديدا، وتحقيق آماله وطموحاته والمتطرفين في حكومته والحديث عن بناء كنيس وغير ذلك من مخططات سيسعى لتحقيقها قدر استطاعته قبل الانتخابات الامريكية، لتمريرها في هذا الوقت الذي يخدمه تماما لتثبيت أمر واقع أو تمهيدا لمرحلة قادمة يرى أنها ستكون أفضل بالنسبة اليه.
ج)-سياسيا.. إسرائيل لم تحقق حتى «صورة نصر» في غزّة، وما تحقق دمار للبشر والحجر، في حين عادت القضية الفلسطينية لتتصدر المشهدين السياسي والاعلامي دوليا، وهذا ما يجعل اسرائيل اليوم تماطل وتراوغ بل و«تتسلى» في الحديث عن مفاوضات وقف اطلاق النار، هي لا تريد ذلك، لا اليوم ولا غدا، وفي الوقت الذي يزيد فيه عدد دول العالم المعترفة بدولة فلسطين والمؤيدة لحل الدولتين، تردّ اسرائيل بتصويت الكنيست على رفض اقامة دولة فلسطينية.
باختصار: ما يجري في الضفة الغربية «خطير»، وبعض أهدافه تدمير المخيمات الفلسطينية لما لها من رمزية، وتغيير واقع القدس، والتهجير بصور متعددة، لكن من الواضح تماما أن اسرائيل لم ولن تتعلم من درس «غزّة العزّة » بأن صمود الفلسطينيين المغروسين في ثرى أرضهم الطاهرة يجعلهم أقوى من كل أسلحة الدمارالشامل، ومن «مخططات التهجير»، وسيقاومون من تحت الارض وفوقها لانهم أصحاب قضية.. وسيبقى الاردن ملكا وحكومة وشعبا السند للاشقاء «بوصلتنا فلسطين وتاجها القدس الشريف».. و«لا يمكن إبقاء المنطقة رهينة لسياسات التطرف والتصعيد» -كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني -، كما أن «عيوننا مفتوحة، وكل خياراتنا على الطاولة » -كما قال رئيس الوزراء د. بشرالخصاونة-.