عروبة الإخباري –
اندبندنت عربية – نيرمين علي –
استخدمت “ناسا” تقنية التوأمة عام 1970 عندما صنعت نسخة غير رقمية لـ”أوديسي” مركبة بعثة برنامج أبولو 13 وتفادت بواسطتها كارثة محتملة. لكن أول طرح رسمي لمصطلح التوأم الرقمي كان عام 2002 من قبل أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة برينستون مايكل غريفس وبعد ذلك بأعوام بدأت النسخ الرقمية تنتشر في كل مكان ولكل شيء تقريباً، أبرزها خطة “إنفيديا “Nvidia لتصميم توأم رقمي للأرض باسم ” Earth-2″، يستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة للتنبؤ بتغيرات المناخ.
فما هو التوأم الرقمي؟ وماهي استخداماته؟.
محاكاة دقيقة
التوأم الرقمي عبارة عن نسخة أو نموذج افتراضي رقمي يحاكي سلوك أصل مادي فعلي سواء كان غير حي كالمنتجات والعمليات والأنظمة والأجهزة والأماكن ووسائل النقل، أو حيّاً كالأشخاص، ويعمل بمثابة نظير رقمي في بيئة افتراضية تحاكي بيئة الأصل، ويربط بمصدر معلومات الأصل عبر إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي ويقوم بمراقبته في الوقت الفعلي، إذ تستخدم النسخة لأغراض عملية معينة مثل المحاكاة والاختبار والمراقبة والصيانة والتكامل، مما يسمح لكيانين من عالمين مختلفين، المادي والافتراضي، بالوجود معاً في وقت واحد.
يبني التوأم الرقمي جسراً يمكن من خلاله تمرير البيانات بسهولة فائقة من النموذج المادي إلى نظيره الافتراضي، مؤسساً علاقة دائمة ومستخدماً أجهزه الاستشعار، فتجمع معلومات المستشعر من العالم الحقيقي بصورة مستمرة خلال عملية التطوير والإنتاج والتشغيل، ثم يزود نموذج التوأم الرقمي بهذه المعلومات ويتغذى بها. ومع هذا التدفق والتغذية المستمرة بالبيانات، تنعكس التغيرات التي تحدث في العالم الحقيقي على التوأم الرقمي، مما يسمح له بالتطور كما يفعل النموذج الأصلي تماماً.
تحسين التصميم والأداء
يتألف مفهوم التوأم الرقمي من ثلاثة أجزاء مميزة، الكائن الأصل وبيئته المادية والتمثيل الرقمي للكائن وقناة الاتصال بين التمثيلات المادية والافتراضية، ويصنع التوأم الرقمي من خلال جمع البيانات عن الأصل، ثم البدء ببناء النسخة اعتماداً على هذه المعلومات، وبعد ربطها بالأصل بصورة دائمة يمكن الحصول على التحديثات في الوقت الفعلي والقيام بالمراقبة والتحليل والتنبؤ بالأداء والتحسين.
ويمكن إنشاء النماذج الأولية الرقمية واختبارها وتحسينها أثناء عملية التخطيط والتطوير وقبل إنشاء المنتج المادي بوقت طويل، وعندما ينتقل المنتج إلى مرحلة الإنتاج تستخدم التوائم الرقمية لتحسين عملية الإنتاج وتطويرها، وكذلك يمكن تحسين تشغيل المنتج عند تنفيذه على أرض الواقع باستخدام توأمه.
التصميم والتنفيذ
للتوأم الرقمي فائدة هائلة وإمكانات غير محدودة في محاكاة وإظهار التأثيرات التي يمكن أن تحدثها التغييرات، سواء في التصميم أو الوقت أو البيئة أو الظروف أو ضبط العملية، من دون الحاجة الى إخضاع كائن العالم الحقيقي لتلك التغيرات، أي اختبار شكل وجود عنصر ما قبل تنفيذه على أرض الواقع ومعرفة أثره على جميع الأصعدة على أرض الواقع من خلال إخضاع النسخة للتغيرات بدلاً من المخاطرة بالأصل، والوصول بذلك إلى حال من المحاكاة الدقيقة للنتائج ومتابعة النتائج وجمع المعلومات وتحليلها لمعرفة مدى جدوى تطبيق هذه التعديلات على النسخة الأصلية، وهذا يمكن أن يتم على صورة صيانة مصنع افتراضي أو تغيير درجة حرارة بيئة أو ضبط إشارة مرور افتراضية وغيرها. ويمكن تطبيقه على محركات الآليات أو إنشاء نموذج رقمي كامل لسيارة قبل تنفيذها، وبذلك يمكن إجراء اختبارات على السيارة قبل إصدارها، كما بالإمكان تعريضها لحادثة افتراضية لقياس قوة التحمل بدلاً من تعريضها لحادثة حقيقية واختبار تأثير الظروف البيئية فيها من الحرارة والبرودة والوعورة وغيرها.
وللتوائم الرقمية دور في مرحلة التصميم تماماً كما دورها في الأداء الفعلي، ففي مرحلة التصميم يصمم التوأم الرقمي أولاً ثم الفعلي وفي مرحلة الأداء يقدم النموذج الرقمي مؤشرات الأصل نفسها.
سد الفجوة
وتكتسب تقنية التوأم الرقمي زخماً نظراً إلى إمكاناتها الاستثنائية في سد الفجوة بين العالمين المادي والافتراضي، وتبرز أهميتها، خصوصاً، في عصر التغير المناخي الدراماتيكي الذي يشهده الكوكب حالياً، عبر إنشاء نماذج محاكاة دورها التنبؤ بتغيرات المناخ والبيئة المحيطة بها، مما يختلف كلياً عن التنبؤ بالطقس ليشمل محاكاة طويلة للأرض وعناصرها والأنشطة البشرية والغلاف الجوي وتبدلاته الفيزيائية والبيولوجية والكيماوية.
وكذلك بالإمكان تصميم توأم رقمي لمدينة كاملة يوضح بنيتها التحتية وتفاعلها، والحقيقة أن مدناً مثل نيويورك وشنغهاي وهلسنكي وسنغافورة تمتلك توأماً حقيقياً بالفعل، وأيضاً يمكن تصميم جزء من المدينة مثل ميناء روتردام الرقمي والـ”أندرغراوند” في لندن وغيرهما.
وبحسب تقرير نشرته شركة أبحاث السوق “غلوبال ماركت إنسايتس” في مارس (آذار) 2024، قُدّر حجم سوق التوائم الرقمية بنحو 9.9 مليار دولار أميركي عام 2023، ومن المتوقع أن يسجل معدل نمو سنوياً مركباً يزيد على 33 في المئة بين عامي 2024 و2032، إذ سيتعزز نمو السوق من خلال الاستثمارات المتزايدة التي تقودها المنظمات في اتخاذ تدابير قوية للأمن السيبراني وضمان الامتثال التنظيمي، ومن المحتمل أن يتماشى هذا النمو مع الابتكارات في الواقع الافتراضي والواقع المعزز، ومع التبني المتزايد لإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات الضخمة.