عروبة الإخباري –
اندبندنت عربية –
تتباعد المواقف بين التصريحات السياسية الأميركية والميدان العسكري في المنطقة مما يعكس تعقيد وتشابك المصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وكانت الولايات المتحدة وقطر ومصر دعوا إسرائيل و”حماس” إلى استئناف المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة خلال الـ15 من أغسطس (آب) الجاري في الدوحة أو القاهرة، وذلك في بيان مشترك وقعه كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس الأميركي جو بايدن.
وقال الزعماء في البيان “لقد حان الوقت وبصورة فورية لوضع حد للمعاناة المستمرة منذ أمد بعيد لسكان قطاع غزة، وكذلك للرهائن وعائلاتهم، وحان الوقت للانتهاء من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين”، وذلك استناداً إلى المبادئ التي طرحها الرئيس بايدن خلال الـ31 من مايو (أيار) الماضي والتي دعمها قرار مجلس الأمن رقم 2735، وفقاً للبيان.
سوسن مهنا
وعلق مسؤول كبير في إدارة بايدن أنه “ليس الأمر كما لو أن الاتفاق سيكون جاهزاً للتوقيع الخميس (المقبل)، وما زال هناك كثير من العمل الذي يتعين إتمامه”، كما أكد مسؤولون أميركيون أن صفقة إطلاق الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة تبقى السبيل الوحيد لتهدئة التوترات الإقليمية التي وصلت إلى مستوى جديد، بعد أن اغتالت إسرائيل أحد كبار القادة العسكريين لـ”حزب الله” فؤاد شكر في بيروت، ومقتل الزعيم السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية في طهران.
ويشير مراقبون إلى أن تلك التصريحات والتي بشرت بقرب “النهاية السعيدة” للمفاوضات، قد تكون جزءاً من الجهود الدبلوماسية لتهدئة التوترات وإظهار التقدم في حل النزاعات، وقد تكون موجهة خصوصاً للجمهور الداخلي كما الخارجي لإعطاء انطباع بأن الإدارة الأميركية تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وفي العادة تسعى الولايات المتحدة إلى إظهار تقدم حتى لو كانت التفاصيل على الأرض تشير إلى تصاعد التوترات.
السياق الانتخابي في الولايات المتحدة
وبما أن الولايات المتحدة تتحضر للانتخابات الرئاسية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن التصريحات الأميركية قد تكون جزءاً من الحملة الانتخابية وبخاصة إذا كانت إدارة الرئيس تسعى إلى إظهار إنجازات في السياسة الخارجية، وفي مثل هذه الأوقات قد تميل الإدارة إلى تضخيم الإنجازات أو التقدم في المفاوضات لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، في الوقت نفسه قد تكون هناك مقاومة داخل الإدارة أو من أطراف سياسية أخرى للتوجه نحو الحرب، وبخاصة إذا كانت هذه الحرب قد تؤثر سلباً في الاقتصاد أو على الرأي العام الأميركي.
الوضع الميداني المشتعل في المنطقة
وعلى الجانب الآخر قد تعكس التوترات الميدانية واقعاً مختلفاً تماماً، إذ تؤكد مواقف الأطراف على الأرض سواء كانت إيران أو الفصائل المدعومة منها وبالتحديد “حزب الله” أنها في حال استعداد للحرب، وقد تكون التصريحات المتباينة الصادرة عن طهران في إطار تعزيز لمواقعها تحسباً لأي انهيار للمفاوضات أو تصعيد مفاجئ.
وقد ترى بعض الفصائل أن التصعيد العسكري وسيلة للضغط على المفاوضات أو لتحقيق مكاسب إضافية، وهذا يشمل التصعيد على الحدود بين إسرائيل ولبنان، أو تعزيز القوات في مناطق استراتيجية مثل مضيق هرمز.
وصرح عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أحمد بخشايش أردستاني بأن “فيلق القدس التابع للحرس الثوري يعتقد أنه لم يكن هناك أي دور للمندسين في مقتل هنية، ووزارة الاستخبارات ترد بغموض في هذا الصدد”، مستدركاً أنه “ومع ذلك، يبدو أن هناك دوراً للمندسين في اغتيال هنية، وفي إيران من المعتاد ألا يتحمل أحد مسؤولية مثل هذه الحوادث”.
وذكر أردستاني أن الهجوم الانتقامي على إسرائيل سيكون “مفاجئاً” وبمساعدة “جماعات المقاومة”، وأضاف أن عدد الطائرات المسيرة والصواريخ التي سيطلقها في هذا الرد سيكون أكثر اتساعاً من الهجوم السابق على إسرائيل، وتابع أنه “على سبيل المثال يمكن أن يصل عدد المقذوفات نحو إسرائيل إلى نحو 600 قذيفة حربية”.
وتعليقاً على مجزرة مدرسة “التابعين” التي تؤوي نازحين في حي الدرج شرق مدينة غزة والتي قتل فيها أكثر من 100 فلسطيني وأصيب العشرات بجروح، بعدما قصف الطيران الحربي الإسرائيلي المدرسة خلال أداء المواطنين صلاة الفجر، كتب المستشار السياسي للمرشد الإيراني، علي شمخاني، على حسابه عبر موقع “إكس”، “إن غرض إسرائيل من قتل المصلين في مدرسة بغزة، واغتيال هنية في إيران هو إثارة الحرب وإفشال مفاوضات وقف إطلاق النار”.
وفي السياق قالت بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة صباح أمس السبت إن “أولويتنا هي التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة، وأي اتفاق توافق عليه ’حماس‘ سنعترف به أيضاً”، لكنها أكدت أن إسرائيل “انتهكت أمننا القومي وسيادتنا من خلال العمل الإرهابي الأخير (اغتيال هنية)، ونملك الحق المشروع بالدفاع عن أنفسنا، وهو أمر غير مرتبط بتاتاً بوقف إطلاق النار في غزة”.
هل هناك انقسامات داخل النظام الإيراني؟
كانت صحيفة “تليغراف” البريطانية أشارت في تقرير لها أول من أمس الجمعة إلى أن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان “يخوض معركة” ضد “الحرس الثوري” في محاولة لمنع اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل، وذكرت الصحيفة البريطانية أن السلطات في طهران منقسمة في شأن كيفية الرد على اغتيال إسماعيل هنية، وتابعت أنه يصر كبار الجنرالات داخل “الحرس الثوري” على توجيه ضربة مباشرة إلى تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى مع التركيز على القواعد العسكرية لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، ولكن بزشكيان اقترح استهداف قواعد إسرائيلية سرية في الدول المجاورة لإيران.
وقال مساعدون مقربون من الرئيس الإيراني للصحيفة البريطانية إن “بزشكيان يخشى من أن أي هجوم مباشر على إسرائيل سيكون له عواقب وخيمة”، وبأن الرئيس “ذكر أنهم كانوا محظوظين لأن إيران لم تخض حرباً شاملة مع إسرائيل في المرة السابقة وربما لا هذه المرة”، في إشارة إلى هجوم الـ13 من أبريل (نيسان) الماضي عندما أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصواريخ على إسرائيل، وذلك رداً على استهداف قنصليتها لدى دمشق، والذي ذهب ضحيته سبعة من كبار قادة “الحرس”.
وخلال يناير (كانون الثاني) الماضي زعمت إيران أنها استهدفت ما أشارت إليه بـ”قواعد تجسس” تابعة لوكالة الاستخبارات الإسرائيلية (موساد) داخل كردستان العراق، وكانت قناة “تيليغرام”، “صابرين نيوز” التابعة للحرس الثوري نفت تقرير “التليغراف”، وقالت إن بزشكيان “ليس لديه أي اعتراض على العملية العقابية التي من المقرر أن يقوم بها الحرس الثوري الإيراني ضد إسرائيل، ولم يقدم أي اقتراحات في شأن كيفية تنفيذ هذا العقاب”.
التباين بين الميدان والسياسة
هذا التباين بين الواقع الميداني والتصريحات السياسية ليس بجديد، بل هو سمة متكررة في السياسة الدولية، وغالباً ما تكون التصريحات الرسمية مصممة لتهدئة المخاوف أو تقديم صورة معينة للعالم، بينما تستمر الأمور على الأرض في التدهور، كما أنه قد يعكس حالاً من عدم اليقين أو الصراع الداخلي بين صناع القرار في الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع الأزمات في الشرق الأوسط.
وقد يكون جزء من التصريحات مجرد كلام للدعاية أو لتهدئة الشركاء والحلفاء، ومع ذلك من المهم النظر إلى الأفعال على الأرض والتطورات الميدانية لفهم الاتجاه الحقيقي للأحداث، لأنه على رغم ذلك قد تعكس التصريحات نيات حقيقية أو قد تكون مجرد أدوات للتفاوض.
بدورها نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن تحركات دبلوماسية كبيرة في المنطقة لوقف رد إيران و”حزب الله” مقابل إتمام الصفقة وإنهاء الحرب في غزة، معتبرة أنه في إسرائيل الباب ليس مغلقاً أمام مثل هذا الحل، إذ يمكن الاستفادة من الأيام المتوترة على وجه التحديد لتنفيذ إغلاق متكامل ومتعدد الساحات لعشرة أشهر من القتال المتفجر الذي لم يتحول بعد إلى حرب إقليمية، من خلال صفقة الرهائن مع “حماس”.
هل الولايات المتحدة جادة في مبادرتها الآن؟
يقول الإعلامي والمحلل السياسي فادي أبو دية “لقد تحدثوا عن المفاوضات طوال 10 أشهر من دون أن تنتج شيئاً، مفاوضات ومقترحات وصلت معهم ’حماس‘ إلى أقصى الخيارات ولكن الكيان الإسرائيلي رفض التجاوب بغطاء أميركي”.
وتابع أبو دية أنه “يجب نزع الأقنعة، أميركا شريكة في ذبح أهل غزة وكذلك بريطانيا، وكل من يدعم الكيان لأنهم لم يوقفوا الحرب، وحتى تقف هذه الحرب يكفي فقط وقف التسليح ومع ذلك هذه الدول كلها تسلح إسرائيل”.
“التنسيق المفتوح المدى مع الولايات المتحدة”
في حين يشير الصحافي والكاتب السياسي أسعد بشارة إلى أنه “ليس خافياً أن هناك خطوطاً مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران، هذه الخطوط كثيراً ما عملت في وقت السلم والحرب والأزمات، وسبق لأميركا ومن بعد اغتيال قاسم سليماني أن تلقت رسائل إيرانية أن ردها سيكون محدوداً، وشكل ذلك عرفاً ونموذجاً تكرر تطبيقه، لا سيما بعد اغتيال إسرائيل لقادة من الحرس الثوري في القنصلية في دمشق، إذ أبلغت طهران واشنطن عن موعد الضربة وتفاصيل عدد الصواريخ والمسيرات بكل دقة”.
وفي رأي بشارة أن ذلك يعكس انتقال إيران من “الصبر الاستراتيجي” إلى “التنسيق المفتوح المدى مع الولايات المتحدة وتالياً مع إسرائيل، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى توقع رد إيراني مدوزن لا يتخطى الخطوط الحمر ولا المعادلة التي وضعتها إيران لنفسها منذ ثورة 1979، إذ لم تقد أية مواجهة مباشرة لا مع أميركا ولا مع إسرائيل، وحرصت على بناء الأذرع كي تمتلك أوراق التأثير في المنطقة”.
رد فمفاوضات
هناك من يرى في التصريحات الأميركية أنه تباعد في المواقف عن إسرائيل، ولكن هذا التباعد ليس بالضرورة انقساماً جذرياً، إذ إن الولايات المتحدة تقدم دعماً قوياً لإسرائيل في حربها ضد “حماس”، سواء من الناحية العسكرية أو الدبلوماسية، ومع ذلك هناك بعض القضايا التي يظهر فيها اختلاف في النهج. على سبيل المثال، الولايات المتحدة تدعو إلى حماية المدنيين وتجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية في غزة، في حين أن إسرائيل قد تكون أكثر تركيزاً على القضاء على تهديدات “حماس” بأية وسيلة ضرورية.
ويشير الإعلامي فادي أبو دية إلى أنه “الآن ومع الحديث عن الرد الإيراني ورد المقاومة، برز بقوة الحديث عن المفاوضات من أجل تمييع الرد أو تأخيره، أو منعه إذا كان مستطاعاً”. ويؤكد “أن قيادة محور المقاومة لا تثق بأميركا ولا المفاوضات ولا تثق بكل الوعود، الرد هو حتمي وبعدها فلتكن المفاوضات”.
إرسال البوارج الحربية جزء من دعم واشنطن لحلفائها
وفي حين يتوقع عديد من المراقبين أن المنطقة على موعد مع حرب شاملة على ضوء إرسال الولايات المتحدة بوارج حربية، إلا أن ذلك قد يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لضمان الاستقرار وردع التصعيد وحماية المصالح الحيوية، وليس في إطار السعي الفعلي إلى تصعيد عسكري، كما أن إرسال البوارج يمكن أن يكون بمثابة استعراض للقوة العسكرية الأميركية لردع أي تهديدات محتملة من قبل إيران أو الجماعات المدعومة منها، لتظهر أنها مستعدة للتدخل إذا لزم الأمر، أي إن الدعم يمكن أن يكون في صورة تقديم الدعم اللوجيستي أو الاستخباراتي، أو حتى مجرد وجود عسكري لطمأنة الحلفاء، أضف إلى ذلك أن أميركا لديها ولدى حلفائها مصالح حيوية في المنطقة، بما في ذلك خطوط الملاحة البحرية ومصادر الطاقة والقواعد العسكرية، ووجود البوارج يهدف إلى حماية هذه المصالح في حال حدوث أي تصعيد.
لكنه وفي حال تفاقمت الأوضاع الأمنية، عندها قد تحتاج الولايات المتحدة إلى رد سريع، ووجود البوارج في المنطقة يسمح لها بالتدخل بصورة فورية إذا دعت الحاجة من دون الحاجة إلى الانتظار وقتاً طويلاً لوصول التعزيزات، كما أن الوجود العسكري القوي قد يمنح الولايات المتحدة نفوذاً أكبر في المفاوضات الدبلوماسية سواء كانت تتعلق بتهدئة الأوضاع أو إيجاد حلول سلمية للنزاعات.
حفلة ألعاب نارية إيرانية
يشير الكاتب السياسي أسعد بشارة إلى أنه بالنسبة لتأخر الرد الإيراني فإنه “يعود إلى انتظار نتائج المفاوضات الجارية، إذ تستعمل واشنطن مع طهران سياسة العصا والجزرة، من جهة تحشد عسكرياً وترسل أساطيل إلى المنطقة وذلك لتحذير إيران من أي خطأ، ومن جهة ثانية تعد طهران برزمة من المكافآت، بالتالي من المستبعد جداً أن يتم توجيه رد إيراني أو من جانب ’حزب الله‘ يؤدي لاشتعال الحرب، أما من جهة إسرائيل فإن حكومة بنيامين نتنياهو تتحين الفرصة لتوجيه ضربات أقسى، وهذه الفرصة إذا ما تم تقديمها لنتنياهو سيطلق العنان لضربات لا يعرف مداها أو حجمها لكنها بالتأكيد ستكون ضربات عنيفة جداً، سواء في الداخل الإيراني أو في لبنان”.
وأكد أن “الولايات المتحدة الأميركية تبقي على دورها كمهندس لاحتواء التصعيد بحيث لا يتحول إلى حرب شاملة أو مواجهة كبرى، وفي خضم كل هذه المعطيات فمن المنتظر أن يكون الشرق الأوسط على موعد مع حفلة ألعاب نارية إيرانية يتوقع أن تتدخل أميركا لدى إسرائيل للجم أي رد فعل كبير يمكن أن تقوم به في المقابل”.