وإذا كان لبنان، كما غزة، يواجه حرباً فعلية مع إسرائيل ويدفع فاتورتها إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، فإن الدول المجاورة للبنان وفلسطين، كمصر والأردن، تواجه تداعيات مباشرة على مستوى العديد من القطاعات الاقتصادية، وفي مقدّمها القطاع السياحي الذي يشكّل الشريان الاقتصادي الأهم لاقتصادات المنطقة. أما باقي دول المنطقة فقد تواجه تداعيات غير مباشرة للحرب، في حال اتّسع نطاقها، خصوصاً لجهة إنتاج النفط وسلاسل التوريد وعموم القطاعات الاقتصادية.
تداعيات مباشرة للحرب
في نهاية العام 2023، أي بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب على غزة، حذر صندوق النقد الدولي من أن استمرارها سيكون له مفاعيل سلبية كبيرة على اقتصادات المنطقة، ومن الممكن أن يشكّل توسّع الصراع في المنطقة نقطة تحوّل، لاسيما أن التداعيات ستتجاوز سريعاً حدود دول النزاع أي لبنان وغزة إلى اقتصادات مثل سوريا والأردن ومصر والعراق وإيران واليمن.
ويرى جهاد الحكيّم وهو أستاذ محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت في حديث لـ”المدن”، أنه في حال تمدّد نطاق الحرب (على الرغم من أنه يستبعد هذا الأمر)، فإن تأثيرها سيطال جوانب اقتصادية كثيرة خصوصاً المناخ الاستثماري والقطاعات غير النفطية، ومنها السياحة. فهذه القطاعات تتأثر بشكل مباشر بعوامل عدم الاستقرار.
وبطبيعة الحال، كلما طال أمد الصراع زاد تأثيره السلبي على السياحة والتجارة والاستثمار والقنوات المالية الأخرى في دول المنطقة، وتحديداً في الدول التي تعاني أزمات اقتصادية ومالية.
وحسب الأرقام، فإن القطاعات السياحية تشكّل إحدى أبرز دعائم اقتصادات الدول المحيطة. وتتراوح مساهمة السياحة باقتصادات المنطقة بين 35 في المئة و50 في المئة. وتعدّ مصدراً أساسياً للنقد الأجنبي. من هنا يمكن قراءة التداعيات السلبية للحرب الواقعة في غزة ولبنان على عموم دول المنطقة، لاسيما منها مصر والأردن وسوريا التي شهدت تراجعاً في نموها ربطاً بالقطاعات الاقتصادية المتأثرة بأجواء الحرب.
أبعد من السياحة
المفاعيل السلبية للحرب على اقتصادات المنطقة تتجاوز التدهور السياحي والخدماتي وانخفاض عائدات القطاعات الاقتصادية الحيوية، لتطال ثقة المستهلكين بشكل مباشر، لاسيما في ظل ارتفاع مستوى القلق والمخاوف من توسع رقعة الحرب في المنطقة. وهو ما يؤدي إلى تدهور في أرقام الإنفاق والاستثمار.
اقتصادات المنطقة تأثرت بشكل كبير منذ السابع من تشرين الأول، إن كان في اسرائيل، مصر، الأردن (جزئياً) ولبنان. وأي حرب إقليمية ستكون تداعياتها أكبر وأسوأ، ومن شأنها أن توسّع من الفجوات الحياتية للسكان، كما ستزيد من كلفة الحصول على الخدمات الأساسية، على ما يقول مارك أيوب، وهو باحث في مجال الطاقة من معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت. وعلى الجانب الآخر من الأزمة، يرى أيوب في حديث إلى “المدن” أن استمرار حالة الركود والتضخم في الأسواق العالمية سيؤدي إلى تفاقم أزمات المنطقة في الفترة المقبلة، لاسيما في حال انقطاع الإمدادات وعرقلة عمليات الاستيراد والتصدير.
ماذا عن النفط؟
وفي حال تصاعد حدة الصراع بالشرق الأوسط، ثمة مخاوف تحيط بعملية إنتاج النفط وسلاسل الإمداد العالمية. ويقول أيوب إن أسواق النفط العالمية كانت حتى الآن، تستجيب استجابة صامتة لكل الأحداث الجيوسياسية التي حصلت منذ السابع من تشرين الأول. وبعيداً عن الارتفاع الذي حصل في برميل النفط في الأسابيع الأولى من الحرب على غزة، عادت الأسواق والأسعار لتستقر، متأثرة بالعرض والطلب وبقرارات OPEC+.
وتبقى المتغيرات الأخيرة مرتبطة بشكل جزئي بالتطورات الإقليمية. فحتى الساعة، لم يحصل أي انقطاع بالإمدادات في أي بقعة أو بلد، حسب حديث أيوب، ويُنتظر أن نرى حجم الرد الإيراني ونوعه وكيفية تأثيره على الملاحة العالمية، من البحر الأحمر إلى باب المندب وحتى مضيق هرمز، الذي يعد الشريان الأساسي لنفط الخليج، ليبنى على الشيء مقتضاه.
وحسب الحكيّم أيضاً، فإن توسّع الحرب فيما لو حصل، سيضرّ بالبنية التحتية ويقلل من القدرة الإنتاجية للنفط وعموم الإنتاج الاقتصادي، ويزيد تكاليف إعادة الإعمار. ومن الممكن أيضاً أن تشهد أسواق الطاقة العالمية تقلبات شديدة، ما يمكن أن يؤدي إلى تغييرات طويلة الأجل في استراتيجيات الطاقة وسلاسل التوريد.
ولا يستثني الحكيّم احتمال معاناة دول المنطقة من أزمات إنسانية حادة تؤدي إلى النزوح، وفقدان رأس المال البشري، وزيادة الفقر، وتدهور الأمن الغذائي، واضطرابات اجتماعية وعراقيل بالتجارة والشحن، وضغوط على أسواقها المالية، خصوصاً في البلدان التي تشهد أصلاً نزاعات وأزمات.