ليست وحدها الأزياء التي لها تقليعاتها وموضاتها. السياسة أيضا لها مواسمها، والأهم لها في «كل عرس قرص»! والإنسان منذ القدم، مولع بالرموز والإشارات، كيف لا وقد كانت وسيلة اتصاله قبل اكتشاف اللغة أو معرفتنا بقدرته على النطق والكلام منذ أن كان ودون انقطاع خلافا للقائلين بتطور «الإنسان الأول» أو الموغل في قدمه.
مع تقلّب الفصول والليل والنهار، عرف بنو آدم تعدد الألوان ومن ثم أطياف كل منها. وبشكل أو بآخر، أسقط الأوادم الألوان على القيم، فصار السواد مقرونا بالظلام والظلمة والظلم، والبياض عنوانا للنهار والنور والنار، عند اشتداد أوارها، فتحمرّ حتى تبيضّ.
هكذا مع «تقدم» البشرية أو تراجعها الإنساني والحضاري، حتى صار اللون الأحمر في الحرب الباردة رمزا للشيوعيين والاشتراكيين واليسار عموما، فيما صار الأخضر رمزا في العالم كله لحماة البيئة ودعاة السلام انطلاقا من الحرص على عدم تدمير «قريتنا الصغيرة» الآخذة بالانكماش والارتكاس وربما الانكفاء إلى حد النكوص! فيما قرن البعض الأخضر والخضار بدعاة الإسلام السياسي الذي اختار في بعض الساحات أن يكون إصلاحيا تدرجيا بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة بعيدا عن التشدد والغلو والتطرف والإرهاب، فيما تحول في ساحات أخرى بعد «التمكين» ومن قبلها «التقية السياسية» إلى ما عرف بلغة الأبحاث الأكاديمية ومن ثم المنتديات المتخصصة بالأمن والسياسة، بالإسلام العسكري «مِلِتِنْتْ إسلام».
كل ما تقدّم مجرد مدخل لبيت القصيد، وهم من أحببت تسميتهم بالخضر أيضا، لكن «غير شكل»! هم الشخصيات القيادية من نوع وشكل خاص الذين نفتقدهم في كثير من ساحات العمل العام والخدمة العامة في عدد من «بلاد العرب أوطاني». هم من يقبلون بل ويتطلعون إلى إعادة التدوير بعد انتهاء الدوام الرسمي أو عقد العمل أو التقاعد، لذلك سميتهم الخضر..
هنا في بلاد العم سام، وكثير من دول الغرب والشرق بالمعنى السياسي الاجتماعي، والشمال والجنوب بالمعنى الاقتصادي التنموي، لا تعني الوظيفة أو «المنصب» أبدا نهاية المطاف! فترى مثلا رئيس حكومة سابق (ديفيد كاميرون) يعاد تدويره بقرار منه أو من حزبه أو حتى حزب المعارضة -بشكل غير مباشر- بالعودة إلى الأضواء ليخدم وزيرا للخارجية، أو يتولى أي حقيبة للتخفيف مما يعرف بالحمولة الزائدة! وترى رئيس وزراء سابق يعود إلى مهنته الأصلية، رئيس تحرير لصحيفة كبرى في بلاده مثلا (بوريس جونسون). على الضفة المقابلة من الأطلسي، الأسماء لا حصر لها، ترى مرشحا رئاسيا سابقا (مايك هاكابي) ومن قبل حاكم ولاية (ولاية آركسنو وتكتب آركنساس) وقبلها قسّا معمدانيا، تراه بعد سنين طوال من «الخدمة» معدّا ومقدما لبرنامج تلفزيوني يستخدم فيه موهبته في العزف على الجيتار، لا بل وحتى مقدما لدعاية تلفزيونية هو وزوجته لعلاج آلام المفاصل أو محاربة الأرق!
ليس سرا ولا اكتشافا علميا أن راحة الضمير والبال من أهم مقومات النوم الطويل والأهم العميق..
على غرار ما تمناه يوما الداعية وزعيم الحقوق المدنية القس مارتن لوثر كينغ، «لدي حلم» أن يأتي يوم -بعد هذه الانتخابات- في الأردن الحبيب، الأردن المفدى الذي يعود فيه المنصب العام إلى مفهومي الواجب والخدمة.. أن تنتهي تهاني من طراز أو عيار «بكم تزهو المناصب». أن نرى مسؤولا كبيرا من العيار الكبير والوزن الثقيل في صفوف المدارس أو مدرجات الجامعات أو في كرمة جدوده يحولها إلى ما يمد الخزينة التي تدفع راتبه التقاعدي كوزير أو كنائب أو كمسؤول درجة خاصة فئة أولى، تحويلها إلى مشروع أكبر وأكبر يرفد ما يخفف ما سنورثه لأحفادنا من ديون تكبر مع كل طالع نَفَس لا طالع شمس فقط، بفعل الفوائد التي لا ترحم.
هؤلاء الخضر قطعا أياديهم خضراء ودربهم أخضر، ليس فقط في الوظيفة العامة والمناصب العليا في ميادين الخدمة النابعة من المحبة الواسعة ولا حصر لها، بالإمكان التعبير عنها بعيدا عن الأضواء ولو بتغريدة، بكلمة، تسند موقفا وطنيا وتخفف عن وزارات متخصصة ومن يقومون فيها بدور المتحدثين الرسميين بما قد يكون أبلغ أثرا في دفع سرديتنا الوطنية إلى ما يتصدر الأخبار في الإعلام التقليدي أو الجديد بما يسر الخاطر.
اخضوضروا فإن المناصب لا تدوم!
خُضر غير شكل!* بشار جرار
45
المقالة السابقة