عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
رحل رأس المدرسة السياسية التقليدية الأردنية، الرجل المحافظ، خريج اعتى الجامعات وأرقاها والمثقف والذي تولى العديد من المناصب وخدم في أكثر من سلطة، فقد كان في الديوان الملكي في أكثر من موقع كما كان في الأعيان رئيساً للمجلس وفي الحكومة وزيرا لأكثر من وزارة من مرة ورئيساً للوزراء اكثر من مرة.
كان زيد الرفاعي أبو سمير، سليل أسرة أكثرها تولى مناصب رفيعة، فقد كان والده رئيسا للوزراء ووصف بالنزاهة، وهو سمير الرفاعي، وكان عمه رئيس وزراء وهو الشاعر عبد المنعم الرفاعي ابو عمر الذي عاصر الملكين عبد الله الأول والملك الحسين رحمهما الله وكان ابنه سمير الرفاعي رئيساً للوزراء ايضا وعمل في الديوان الملكي أميناً عاماً وفي الأعيان وترأس لجنة سياسية للإصلاح السياسي، وما زال يتمتع بحيوية وطموح سياسي ونشاط متصل
كان زيد الرفاعي كاثولوكياً اكثر من البابا وفي الترجمة الموازية ملكياً أكثر من الملك، لم تكن يرتاح للتغيرات السريعة او الاجتهادات غير المختبرة ويتحفظ على اي تغيير لا تضمن نتائجه سلفاً وبصورة مسيطر عليها، ولا تغريه الافكار البراقة، ويتقن المناورة للتخلص منها
لم يعرف بالمرونة في تنفيذ الأحكام أو الرؤى الملكية، بل كان يتشدد فيها، وحتى مع الاعتراف الأردني بمنظمة التحرير الفلسطينية، كان لزيد الرفاعي رأي آخر، قاتل في سبيله ودفع ثمناً، ولم يكن يرقه عودة القيادات الفلسطينية الى الضفة الغربية بعد اتفاق اوسلو.
لم يكن شعبوياً ولم يدعو للشعبوية وحين خرج من المنصب في أواخر الثمانينيات في ظروف صعبة بعد أحداث معان وذهب الى بيته، احترم القرار وصمت، ولم يعرف عنه الشغب او التبرير العلني او المناوئة او الانخراط في المعارضة والاستقطاب كم فعل الكثيرون وقد جرى امتحانه في ذلك طويلا الى ان عاد الى السلطة من باب مجلس الاعيان واللجان المعلقة بإصلاح الدستور والقضاء.
في زمن ولايته تزعزع الدينار واحتياطيات البنك المركزي وانخفض الدينار مقابل الدولار بشكل سافر، وكان يدرك أن ذلك كان جزءاً من الضغوط السياسية وثمنا لها على الاردن ليقبل صفقات مشبوهة
كان ينشط فيها الوزير شولتز وزير الخارجية الاميركي الذي زار عمان وهدّد بهدف ان يلعب الأردن دوراً بديلاً عن التمثيل الفلسطيني.
لم يكن الراحل زيد يؤيد السياسة العراقية في زمن صدام حسين، وكان له موقف عبر عنه الرئيس. صدام في حينها بشكل سلبي ولكنه بالمقابل كان الأقرب الى تأييد السياسة السورية والدعوة لإنشاء سد الوحدة والاقتراب من دمشق، وقد. دعى رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الكسم كما زار دمشق أكثر من مرة لتصفية خلافات
تعرض زيد الرفاعي لأكثر من محاولة اغتيالواحدة في لندن وقد أصيب في يده، ولكنه ظل قريباً جداً من الملك الراحل، بل يكاد يكون أقرب السياسيين الاردنيين منه على الإطلاق.
كان يتمتع بحكمة وبعبارة موجزة، وروية سياسية قادر على شرحها وكان يميل الى سماع النكتة وتطويررها ويحفظ الوقائع التاريخية وله ذاكرة حديدية، سريع الملاحظة يميل الى النقد السياسي العميق ويطلق الاحكام ولا يظهر اراءه بسهولة ولا يمرر الافكار التي لا يقتنع بها،
يؤمن الراحل بتشكيل طبقة سياسية ضيقة ومحدودة وموالية، ولذا كان يدافع عمن يغردون في صفه ولا يتخلى عنهم ولا يتوانى عن التجنيد لافكاره بتوسيع الدائرة السياسية او خلطها، وقد ظل نخبوياً .
كان جريئاً في طرح فكره وحين لم يكن يطرح رأيه، فلأنه مقتنع أو لا يرى جدوى من ذلك.
كان يتهم انه متفرد من في الراي في كثير من الأحيان، وهذا ما جلب له وجع الرأي، ومثال “ضرب زيد عمراً” وخاض صراعات في نادي رؤساء الوزارات وخلافات وصمد وظل قويا وأثبت انه الأجدر بين الطبقة السياسية.
لديه فكر اقتصادي محافظ وظل يومن بدائرة اجتماعية محدودة وقد نجح في حياته العملية.
ورث مذكرات والده ولم ينشرها، ورفض أن ينشر مذكراته وقال إنه سيورثها الى ابنه سمير، ونأمل أن ينشر أبو زيد (سمير الرفاعي).كل المذكرات لاهميتها ولما عاصرته الشخصيات الرفاعية من احداث هامة
تعلم منه سمير الرفاعي (الحفيد) أبوزيد الكثير وظل الراحل مرجعية
وقد زادت محبة الكثيرين له وأقروا بفضله ووعيه ودوره في السنوات الأخيرة وافتقدوه في كثير من المواقف والمنعطفات، وقال بعضهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
رحل أبو المدرسة التقليدية الأردنية، التي كان منها الراحل الدكتور فايز الطراونة وآخرون.رحم الله ابو سمير وجزاه عن وطنه وشعبه خيرا فقد كان علما من أعلام الوطن
رحل زيد الرفاعي ويمكن لاقول كلهم فاقد وأنت فقيد!